فضائل شهر رمضان.. نفحات الرحمة والمغفرة
بقلم: الشيخ رشاد أبو الهيجاء
يُعدّ شهر رمضان المبارك من أعظم الشهور في الإسلام، فهو شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، وهو موسم الرحمة والمغفرة والعتق من النيران. فضّل الله هذا الشهر على غيره من الشهور، ورفع فيه درجات عباده الصالحين، واستجاب لهم الدعاء، كما جاء في قوله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة: 183).
ركنٌ من أركان الإسلام
فرض الله صيام شهر رمضان على المسلمين، وجعله أحد أركان الإسلام الخمسة، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا”.
وهذا يدل على عظمة هذا الشهر ومكانته الرفيعة، ما يوجب على المسلمين تعظيمه والإقبال فيه على الطاعات لينالوا رضا الله وفضله.
نزول الكتب السماوية في رمضان
لشهر رمضان مكانة خاصة عند الله، فقد اختاره لإنزال الكتب السماوية، كما روى الإمام أحمد عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان”.
وهذا يؤكد فضل هذا الشهر المبارك وارتباطه بالهداية الإلهية عبر العصور.
أثر الصيام في تهذيب النفوس
الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو تهذيب للنفس، وتنقية للروح، وإصلاح للسلوك، كما قال الله تعالى:
“وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا” (الشمس: 7-10).
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أكرم الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل عليه السلام فيدارسه القرآن، ليكون قدوة للمؤمنين في العطاء والإحسان.
رمضان.. شهر التقوى والأخلاق
حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على التحلي بالأخلاق الفاضلة أثناء الصيام، فقال:
“الصيام جُنّة (وقاية من المعاصي)، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤٌ سابّه أو شاتمه، فليقل: إني صائم”.
وقد فهم الصحابة هذا الدرس العظيم، فقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه:
“إذا صمت، فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء”.
وفي هذا الزمن، نحن بحاجة ماسة إلى هذه التوجيهات النبوية، لننشئ جيلًا يتحلى بالأخلاق الحسنة، بعيدًا عن العنف والفساد، وذلك لن يتحقق إلا بالصيام بصدق وإخلاص، امتثالًا لقوله تعالى:
“وما أُمِروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين” (البينة: 5).
المغفرة والرحمة في رمضان
رمضان فرصة عظيمة لمغفرة الذنوب، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر”.
وفي كل ليلة من ليالي رمضان، يُنادى بنداء إلهي عظيم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“إذا كان أول ليلة من رمضان، صفدت الشياطين ومردة الجن، وفتحت أبواب الجنة فلم يُغلق منها باب، وغلقت أبواب النار فلم يُفتح منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة”.
الدعاء المستجاب في رمضان
من أعظم فضائل هذا الشهر أن للصائم دعوة لا ترد، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم”.
وقد وعد الله عباده بالإجابة، فقال:
“وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ” (البقرة: 186).
التوبة والتجديد الروحي
رمضان هو شهر العودة إلى الله، وتطهير القلوب من الذنوب، وتجديد العهد مع الله، حيث قال تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ” (التحريم: 8).
فلنجعل شهر رمضان محطة نتقرب فيها إلى الله، ونجدد فيها إيماننا، شعارنا فيه:
“سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير”.