الاستعداد لاستقبال شهر رمضان
بقلم: الشيخ رشاد أبو الهيجاء
ها نحن على أبواب شهر رمضان المبارك، شهر ترفع فيه الدرجات، وتُغفر فيه الذنوب، ويزيد الله فيه أجور العباد، ليصلوا إلى منزلة عظيمة هي التقوى، كما قال تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة: 183).
إنها منزلة شريفة دعا إليها الله تعالى، مؤكداً أن الإنسان مسؤول عن أفعاله وأقواله، حيث قال سبحانه:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” (الحشر: 18).
فرحة المؤمنين بقدوم رمضان
تترقب القلوب المؤمنة هذا الشهر العظيم بشوق وسعادة، فهو شهر تُصفَّد فيه الشياطين، وتُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق فيه أبواب النار. لذلك، كان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه بعد انتهائه ستة أشهر أن يتقبله منهم.
وقد ورد في الحديث الشريف، كما جاء في سنن ابن ماجة وابن حبان ومسند الإمام أحمد، أن طلحة بن عبيد الله – وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة – روى أن رجلين من قبيلة بلي قدما إلى النبي ﷺ فأسلما معًا، وكان أحدهما أكثر اجتهادًا من الآخر. فاستشهد المجتهد في إحدى المعارك، وعاش الآخر سنة حتى أدرك رمضان ثم توفي. فرأى طلحة في منامه أن الذي مات بعد رمضان دخل الجنة قبل الشهيد، فتعجب الصحابة من ذلك. فلما سألوا النبي ﷺ، قال لهم:
“أليس مكث هذا بعده بسنة؟” قالوا: نعم. قال:
“وأدرك رمضان فصامه، وصلى كذا وكذا في السنة؟” قالوا: بلى. فقال ﷺ:
“فلما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض.”
وهذا الحديث يبيّن فضل شهر رمضان، وأنه فرصة عظيمة للارتقاء في درجات القرب من الله.
كيف نستعد لاستقبال رمضان؟
إن استقبال رمضان لا يكون فقط بفرحة العبادات والطاعات، بل يحتاج إلى استعداد روحي وأخلاقي. فقد وصف الله عباد الرحمن بقوله:
“وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى ٱلْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلْجَٰهِلُونَ قَالُوا سَلَٰمًا وَٱلَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا” (الفرقان: 63-64).
لكن، كيف نستقبل رمضان وهناك من أبنائنا من تلطخت أيديهم بالدماء؟ كيف نستقبله وهناك أمهات يذرفن الدموع على فقدان فلذات أكبادهن، أو على أبناء غُيِّبوا في السجون، أو شُرِّدوا وضاعت أحلامهم؟ هل يُعقل أن نحتفي برمضان، بينما الفوضى والظلم يعصفان بمجتمعنا؟
دعوة للتوبة ونبذ الفساد
الجواب الوحيد الذي ينبغي أن نواجه به أنفسنا ونحن نستقبل هذا الشهر المبارك هو التوبة الصادقة، وتجديد العهد مع الله بالسير على خطى الحبيب المصطفى ﷺ، الذي قال عنه ربه:
“وَمَا أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَٰلَمِينَ” (الأنبياء: 107).
لقد كان النبي ﷺ رحيمًا بكل خلق الله، حتى بالحيوان، فهل سيعلن أبناؤنا توبتهم استعدادًا لاستقبال رمضان؟ أم سيمضي الشهر وتنقضي أيامه دون تغيير؟
التقوى.. ثمرة الصيام
رمضان ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو شهر التقوى، والتي لخصها الإمام علي رضي الله عنه بقوله:
“التقوى هي: الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.”
فمن أراد أن يكون من المتقين، عليه أن يجعل خشية الله نصب عينيه، لأن من خشي الله أكرمه بالمغفرة والأجر العظيم، كما قال تعالى:
“إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ” (الملك: 12).
الصيام.. عبادة خالصة لله
من أعظم فضائل رمضان أن الله جعل الصيام عبادة خالصة له، كما جاء في الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم:
“كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنَّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم. والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وللصائم فرحتان: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه.”
رسالة رمضان: اتركوا العنف والفساد
إن الدعوة التي يجب أن نرفعها ونحن نستقبل رمضان هي نبذ العنف والفساد، حتى يتقبل الله منا صيامنا وقيامنا. فقد قال رسول الله ﷺ:
“من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.”
فلنستعد لهذا الشهر بتطهير قلوبنا، ونشر المحبة والسلام، لعلنا ننال القبول عند الله، ونكون من عتقاء رمضان.
اللهم بلغنا رمضان، وأعنا فيه على الصيام والقيام، وتقبل منا أعمالنا، واهدِ أبناء أمتنا إلى صراطك المستقيم.