شهر شعبان: موسم الطاعات والاستعداد لرمضان بقلم: الشيخ رشاد أبو الهيحاء، إمام مسجد الجرينة – حيفا

مراسل حيفا نت | 07/02/2025

شهر شعبان: موسم الطاعات والاستعداد لرمضان

بقلم: الشيخ رشاد أبو الهيحاء، إمام مسجد الجرينة – حيفا

حلَّ علينا هلال شهر شعبان قبل أيام قليلة، وهو أحد الأشهر القمرية في التقويم الهجري الذي أقرَّه الخليفة عمر بن الخطاب، ويأتي مباشرة قبل شهر رمضان، مما يجعله بمثابة مقدمة للشهر الفضيل. ولأن المؤمن يبحث عن مواسم الخير ليزداد قربًا من الله، فإن شهر شعبان يُعَد فرصة عظيمة للإكثار من الطاعات والاستعداد لاستقبال رمضان، وذلك لتحصين النفس من فتن الدنيا التي تزداد في زماننا.

وقد حثَّ النبي ﷺ على اغتنام هذه المواسم بالأعمال الصالحة، حيث قال: “بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا” (رواه مسلم). ومن أبرز هذه الأعمال الصالحة التي كان النبي ﷺ يحرص عليها في شعبان، الصيام، فهو من النوافل التي تُقرِّب العبد من ربه وتجعله من المحبوبين عند الله، كما جاء في الحديث القدسي: “وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه” (رواه البخاري).

صيام شعبان سنة نبوية

كان النبي ﷺ يُكثِر من الصيام في شعبان، كما روَت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: “كان رسول الله ﷺ يصوم حتى نقول لا يُفطِر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله ﷺ استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان” (رواه البخاري ومسلم). وفي رواية أخرى لها: “لم يكن النبي ﷺ يصوم شهرًا أكثر منه في شعبان، فإنه كان يصومه كله”، والمقصود بذلك أنه كان يصوم أغلب أيامه.

وقد بيَّن العلماء سبب إكثار النبي ﷺ من الصيام في شعبان، ومنهم الإمام ابن رجب، الذي قال: “لأنه اكتنفه شهران عظيمان، الشهر الحرام (رجب) وشهر الصيام (رمضان)، فانشغل الناس بهما وغفلوا عن شعبان، فأحبَّ النبي ﷺ أن يحيي هذا الشهر بالطاعات”. ويؤكد ذلك حديث أسامة بن زيد، حيث قال: “قلت يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ فقال: ذلك شهرٌ يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهرٌ تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم” (رواه النسائي).

شعبان وشهر القرآن

وكما أن رمضان هو شهر نزول القرآن، فإن شعبان هو شهر الإعداد له، حيث كان السلف يُكثِرون من تلاوة القرآن في هذا الشهر، استعدادًا لرمضان. وقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه: “إذا دخل شعبان أكبّ المسلمون على المصاحف فقرؤوها، وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية لضعيفهم على الصوم”.

وقال سلمة بن سهل: “كان يُقال: شعبان شهر القرآن”، فيما ذكر أبو بكر البلخي: “شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع”، أي أن العبادات في شعبان تُهيّئ القلب لاستقبال نفحات رمضان.

تصفية القلوب قبل رمضان

ومن أهم الأعمال التي يُستحب أن يحرص عليها المسلم في شعبان، تصفية القلوب من الأحقاد والضغائن، لأن هذا الشهر تُرفع فيه الأعمال إلى الله. وقد قال النبي ﷺ: “تُفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس، فيُغفر لكل عبدٍ لا يُشرك بالله شيئًا، إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيُقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا” (رواه مسلم). فإن كان هذا حال يومي الإثنين والخميس، فكيف بشهرٍ تُرفع فيه الأعمال كلها؟ لذا، ينبغي للمسلم أن يُطهّر قلبه من كل ضغينة، ليكون من المقبولين عند الله.

التعجيل بقضاء صيام رمضان السابق

ومن الأمور التي يجب الانتباه إليها، أن من أفطر أيامًا في رمضان السابق بعذرٍ شرعي، عليه أن يُبادر بقضائها قبل أن يُدركه رمضان الجديد. فقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: “كان يكون عليَّ الصيام من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان” (رواه البخاري ومسلم).

عدم التقدّم على رمضان بيوم أو يومين

كما أنه من السنة عدم صيام يوم أو يومين قبل رمضان، إلا لمن كانت له عادة في الصيام، فقد قال النبي ﷺ: “لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه” (رواه البخاري ومسلم). وهذا من باب التهيئة لاستقبال الشهر الفضيل براحة ونشاط.

ختامًا

شهر شعبان فرصة عظيمة للتقرب إلى الله بالعبادات المختلفة، من صيام وقيام وقراءة قرآن وتوبة صادقة، والاستعداد القلبي والروحي لاستقبال رمضان. وكما قال الشاعر:

إذا أنت لم تزرع وأبصرتَ حاصدًا – ندمتَ على التفريطِ في زمنِ البذرِ

فلنغتنم هذا الشهر قبل أن يندم المفرّطون، ولنستعد لرمضان بجني الحسنات وتصفية القلوب، سائلين الله أن يبلغنا رمضان ونحن في أحسن حال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *