شهر رجب: تعظيم الأشهر الحرم والتقرب إلى الله
بقلم: الشيخ رشاد أبو الهيحاء، إمام مسجد الجرينة – حيفا
مع مرور النصف الأول من شهر رجب، الذي يُعتبر من الأشهر القمرية الحرم، نُدرك أننا على مقربة من شهر رمضان المبارك. وهذا الشهر يعد من الأشهر التي خصها الله عز وجل بمكانة عظيمة، إذ جعلها فترة للأمن والسلام بين الناس، وهي فرصة للتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة.
فضل شهر رجب
كما ورد في القرآن الكريم، قال الله تعالى: “إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم، ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم” (التوبة: 36). وهذه الأشهر الحرم هي: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الزمان استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم” (رواه البخاري).
وقد خص الله هذه الأشهر الحرم بالسلام والسكينة لتسهيل الحج وزيارة بيت الله الحرام، كما قال تعالى: “وجعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام” (المائدة: 97). ولذا، فإن تعظيم هذه الأشهر يعد من تعظيم شعائر الله، مما يترتب عليه الأجر العظيم، كما قال سبحانه: “ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب” (الحج: 32).
الآثار السلوكية للأشهر الحرم
التعظيم الحقيقي للأشهر الحرم يستدعي من المسلمين أن يتجنبوا الظلم في هذه الفترات، فقد أكد القرآن الكريم على أن “الظلم فيهن أظم من الظلم فيما سواهن” (رواه ابن كثير). ومن الجدير بالذكر أن العرب في الجاهلية كانوا يعظمون هذه الأشهر لدرجة أن أحدهم إذا التقى بقاتل أبيه في الشهر الحرام، لم يتعرض له بأذى، وهو ما ذكره ابن كثير في تفسيره.
وفي هذا السياق، نجد أن الناس في العصر الجاهلي ابتدعوا عادة “النسيء”، أي تأجيل الأشهر الحرم لأغراض معينة، وهو ما أنكره الله في قوله: “إنما النسيء زيادة في الكفر” (التوبة: 37)، مؤكداً على ضرورة الالتزام بالترتيب الذي حدده الله.
أعمال صالحه في شهر رجب
من العبادات المستحبة في شهر رجب، كما في سائر الأشهر الحرم، السعي للتقرب إلى الله بالعمل الصالح والإقلاع عن التصرفات التي تخالف شرع الله. وقد قال قتادة: “العمل الصالح أعظم أجرا في الأشهر الحرم، والظلم فيها أظم من الظلم فيما سواهن”.
أما عن العبادات الخاصة في هذا الشهر، فلم يُثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخصص رجبًا بعبادات معينة. مع ذلك، كان من المعتاد أن يصوم المسلمون يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع، وثلاثة أيام من كل شهر، المعروفة بالأيام البيض.
وقد جاء في حديث أخرجه أبو داوود وغيره: “صم من الحرم واترك”، وهو إشارة إلى أهمية التوازن بين العبادة والراحة، والتقرب إلى الله من خلال الصيام.
الختام
نحن في شهر رجب، أحد الأشهر الحرم التي تحمل في طياتها فرصة عظيمة للتقرب إلى الله بالعمل الصالح، والتسامح، ونبذ كل ما من شأنه أن يزرع الفرقة أو العداوة. فلنعظم هذا الشهر بما يرضي الله، ولنجعل من كل لحظة فيه فرصة للسلام الداخلي والتجديد الروحي.