الدين والمعاملة: رؤية شاملة من خلال القرآن والسنة بقلم: الشيخ رشاد أبو الهيحاء، إمام مسجد الجرينة – حيفا

مراسل حيفا نت | 10/01/2025

الدين والمعاملة: رؤية شاملة من خلال القرآن والسنة
بقلم: الشيخ رشاد أبو الهيحاء، إمام مسجد الجرينة – حيفا

لقد عرف البعض الدين بعبارة “الدين المعاملة”، وهذه العبارة تحمل في طياتها معاني عظيمة تكشف عن جوهر الدين الإسلامي. من خلال تأمل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، نجد أن الدين ليس مجرد شعائر عبادية، بل هو نظام متكامل يتناول جميع جوانب حياة الإنسان، ويحث على المعاملة الطيبة مع الآخرين.

العبادة والعمل الصالح: الغاية الحقيقية للدين

حين نتمعن في العبادة في الإسلام، نجد أن الهدف منها ليس مجرد أداء الشعائر بل تحقيق مكاسب أخلاقية وروحية عظيمة. فالصلاة، على سبيل المثال، هي الوسيلة التي تساعد المسلم على الابتعاد عن المنكرات والعمل الصالح، كما أن الزكاة تهدف إلى تطهير النفس وتزكيتها، في حين أن الصوم هو وسيلة للوصول إلى التقوى، وأما الحج فهو تهذيب للنفوس وتنقيتها من وساوس الشيطان.

الدين والممارسة: فهم حقوق الله وحقوق الناس

عندما نتحدث عن “الدين المعاملة”، فإننا نقصد بذلك التزام المسلم بالحقوق التي يجب عليه أداؤها، سواء كانت حقوقًا لله أو حقوقًا للعباد. لا يوجد انفصال بين هذين النوعين من الحقوق؛ فالمؤمن يتقرب إلى الله بأداء حقوقه وواجباته تجاه الآخرين، وهذا يُعد من أصناف العبادة. في حديثه مع معاذ بن جبل، وضح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن “حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا”، وأضاف أن “حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك أن لا يعذبهم” (رواه البخاري).

ومن جانب آخر، نجد أن القرآن الكريم يبين حقوق العباد في العديد من الآيات. في قوله تعالى: “وَقُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ…”، جاء تحذير من الشرك بالله، وعمل الفواحش، والظلم، والقتل بغير حق، بالإضافة إلى الالتزام بالعهد والعدل في القول.

حقوق العباد يوم القيامة

من الأمور المهمة التي يوليها الإسلام اهتمامًا خاصًا هي حقوق العباد، والتي من أبرزها الصلاة، إذ يعتبر أول ما يُحاسب عليه المرء يوم القيامة. في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وأول ما يُحاسب به العبد الصلاة…”، يشير النبي إلى أن الفشل في أداء الصلاة بشكل صحيح قد يؤدي إلى العقاب. أما في شأن الحقوق بين الناس، فقد أوضح النبي أن أول ما يُقضى فيه بين العباد هو الدماء.

التنافس المادي وحب الدنيا

لا يمكننا إغفال حقيقة أن النفس البشرية تميل إلى حب الدنيا، وهذا ما يعبر عنه القرآن الكريم في قوله: “زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ…”، حيث بينت الآية كيف أن حب المال والأبناء من دوافع التنافس بين البشر. ورغم ذلك، يحث الإسلام على الاعتدال والتوازن، فلا ينبغي أن تتحكم هذه الرغبات الدنيوية في تصرفات المسلم. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثًا…”، في إشارة إلى أن حب المال لا يشبع إلا بالتراب.

قضايا الميراث والتحايل

إن التنافس على المال والميراث من أبرز القضايا التي تؤثر على المجتمع اليوم. نلاحظ أنه رغم أداء الشخص شعائر العبادة كالصلاة والصوم، قد يضل في جانب المعاملة، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بحقوق الميراث. فهناك حالات من التحايل على حقوق الورثة، خاصةً في ما يتعلق بالنساء، حيث يتم حرمانهن من حصصهن الشرعية.

وقد بيّن القرآن الكريم في قوله: “وَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ…”، ضرورة اتباع شرع الله في تقسيم الميراث. بل واعتبره فريضة من الله، مؤكداً أن الميراث جزء من العبادة التي يتقرب بها المسلم إلى الله.

التوجيه الرباني في التعلق بالمال والأبناء

في القرآن الكريم، نجد تحذيرات من أن أموالنا وأبنائنا فتنة، ويجب أن نعلم أن الله هو صاحب الأجر العظيم. يقول الله تعالى: “إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ…”، مشيرًا إلى أن المؤمن يجب أن يحرص على أداء حقوق الآخرين، وأن يتقرب إلى الله بتجنب الطمع والحرص المفرط.

الختام: دعوة للعودة إلى المبادئ الإسلامية

في الختام، ينبغي على المسلم أن يتذكر دائمًا أن الدين لا يقتصر على الشعائر فحسب، بل يتعدى ذلك ليشمل كل جوانب الحياة، بدءًا من العبادة وحتى المعاملات بين الناس. إن تأدية الحقوق وحسن المعاملة مع الآخرين هما من أبرز صور العبادة التي يتقرب بها المسلم إلى الله. فلنحرص جميعًا على الالتزام بتعاليم ديننا الحنيف، ولنكن قدوة حسنة في المعاملات اليومية، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ضربوا أروع الأمثلة في الإيثار وحسن المعاملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *