الفندق الذي اقامت به أم كلثوم في حيفا

مراسل حيفا نت | 18/01/2009
كانت مدينة حيفا مركزا استراتيجيا من الدرجة الأولى في فترة الانتداب الانكليزي بفلسطين، في اربعينات القرن العشرين وكان ميناؤها البحري ثاني أهم موانئ شرق البحر الأبيض المتوسط بعد ميناء الاسكندرية، ومركز فلسطين البري من خلال سكّة الحديد الحجازيّة، وفيها مركز لشركات كُبرى مثل «آي بي سي»، وشركة «الشيل» وشركة «دمشق – الوطن ستيل» ومصفاة البترول وشركات البواخر، وأكبر مصنع للتبغ في فلسطين وكان من اكبر المصانع في العالم العربي «قرمان ديك وسلطي» وهذه المراكز فتحت وأفسحت المجال لسكان حيفا وللعرب القادمين من سورية ولبنان، كذلك اليهود وفرت لهم فرص العمل بها، فكانت حيفا مدينة ذات خصوصيّات مميَّزة فلم يسُدها التطرّف ولا التّوتّرات التي وضعها الانكليز والحركة الصّهيونيّة بكامل ثِقلهم فيها لتنفيذ مآربهم.
يقوم احد المسنين الذين مازالوا حتى الان على قيد الحياة بلفت أنظارنا الى أن هذه المدينة هي اقتصادية من الدرجة الأولى لابل وانها ورشة صناعية لامثيل لها بين المدن المركزية والساحلية الكبرى في فلسطين، فيبدو أن السكة الحجازية التي بادر لانشائها الترك مع بداية العام 1905 لتسهيل عملية الحج والسفر الى الديار الحجازية كان لها وقع في نفوس السكان المحليين على أن السكة الحديد ربطت مدينة دمشق في سورية وبين المدينة المنورة في الحجاز. وكان لها خط فرعي بين مدينتي درعا (في سورية) وحيفا على الساحل الفلسطيني.
لا بل امتد الى كل الفلسطينيين الى كسب الرزق من خلال العمل بها كمصدر رزق اساسي وثابت وكبير، وناهيك عن مصافي البترول التي حازت على مساحات كبيرة من خريطة حيفا جعلت الأنظار تدب عليها للعمل والانخراط بها وحتى الافتخار بها كعمل مميز لمن حظي به من الخاصة. هذا هو الوضع الاقتصادي في القرن العشرين.
أما مدينة حيفا فكان لها وجة آخر وجه ثقافي والمتمثل بالصحافة والمسرح والادب ودور العلم المتنوعة وحتى ساهم الاعلام بمدينة حيفا الساحلية باحتضان هذة المؤسسات الابداعية التي لعبت دورا مهما في فلسطين والعالم العربي خاصة في عشرينات القرن العشرين.
فمنها ظهرت أولى أبرز الصحف الفلسطينية «الكرمل» التي كانت المرقب الشاهق لأفعال وتحركات الحركة الصهيونية المتمثلة بالانتداب البريطاني. ومنها صدرت مجلة الزهور لصاحبها الأديب جميل حنا البحري والتي تميزت بميولها الأدبي عن دون غيرها من زميلاتها في مجال الصحافة المكتوبة.
فقد كان سُكّانها يتعاونون ويتعاملون مع بعضهم البعض يوميًّا في أماكن عمل واحدة وتحت سقف واحد، في المصانع والموانئ والمكاتب والمدارس والمتاجر والدّوائر الرّسميّة، الحكوميّة والبلديّة والقضائيّة. في حيفا سكن اليهود في جبل الكرمل ومنطقة الهادار، والعرب سكنوا بالبلدة القديمة بشوارع مثل يافا، اللنبي، ستانتون، الملوك، هرتسل، عباس، بات جاليم، وادي النسناس، وادي الجمال الخ… كانت البلدة القديمة قريبة أكثر على البحر، مع وجود حارات مختلطة بين العرب واليهود وكانت العلاقات جيدة بين الطرفين. واليهود كانوا على فئتين: يهود عرب، ويهود جاءوا من رومانيا وبولونيا ودول البلطيق وهم غالبية يهود حيفا، والعلاقة معهم كانت جيدة بشكل عام،
لقد استهدفت العملية اليهودية في مرحلتها الأولى المنطقة المحيطة بحيفا، وكانت تهدف الى تصفية كل شيء يرمز الى نشوء وتطور الثقافة أو الاقتصاد الفلسطيني بكل زواياه معتبرة بذلك تجاوزاً قد يفوق الحلم الصهيوني المبيت في سلب البلاد واغتصاب ممتلكاتها. وبما أن حيفا كانت ميناء فلسطين الرئيسي، فانها كانت المحطة الأخيرة في مسار الانسحاب البريطاني. وكان من المتوقع أن يبقى البريطانيون حتى أغسطس، لكنهم قرروا في فبراير 1948 تقديم موعد الانسحاب الى مايو، فقد كانت أعدادا كبيرة من الجنود البريطانيين بها من موظفين ومسؤولين كبار نظرا لموقعها الاستراتيجي المهم،.
هي دعوة تلقتها الأنسة أم كلثوم ضمن الدعوات التي كان يرسلها نادي الرابطة الأدبي الذي كان ينشط بها أبناء مدينة حيفا من الشباب ابان الانتداب البريطاني لفلسطين ,لبت أم كلثوم الدعوة وفي قلبها شوق وحنين كما ذكرت في مجلة المصور المصرية عن هذه الزيارة ولوصفها لجمال حيفا التي وطأت قدميها للمرة الأولى،
مع اطلالة العام 1928 كانت أم كلثوم في مدينة القدس حين غنت على مسرح «عدن» أمام جمهور غفير من عشاق الطرب والشعر العربي القديم, كما وصف هذه الزيارة الموسيقار المقدسي «واصف جوهرية»: أنها كانت ليلة من الأيام التي لا تنسى، ومنها مضت ام كلثوم الى حيفا عبر القطار لتحيي بها ليلتين احداهما في شارع الملوك وثانيتهما في مسرح الانشراح المشهور قبيل النكبة.
ومن هذه الزيارة وهذا الموقع لقبت ام كلثوم بـ «كوكب الشرق» الذي بقى معها طوال عمرها وحتى الان، وقد أطلقت هذا اللقب على ام كلثوم سيدة من حيفا تدعى أم فؤاد حيث صعدت على المسرح وقالت لها أنت كوكب الشرق وهي تغني اغنية «أفديه ان حفظ الهوى» وهو ما تثبتة بعض الروايات الشفاهيه التي قام بها بعض المؤرخين حين قابلوا هذة السيدة في مخيمات الشتات والحديث عن هذة الزيارة التاريخية للسيدة أم كلثوم لحيفا، قبيل النكبة، كانت حيفا مشروع مدينة ثقافية متطورة وفي كافة الأصعدة، فعميد المسرح العربي يوسف وهبي عرض مســـرحياته على مســـارحـــها مع فرقــــة «رمسيس» وتحديدا على خشــبة مسرح «عـــين دور» منها وقـــدم مـــسرحيـــة «كرسي الاعتراف» وغيرها وبدعوة من زملائه في الرابطة الأدبية التي أسسها المرحوم الأديب جميل حنا البحري، وفي مناســـبات أخرى احتضنت المدينة حفلات غنـــائية لفريد الأطرش وأســمهان وغيـــرهم حيث حضرها آلاف المعجبين.
اعلان عن حفل للآنسة أم كلثوم

om_lathuum112

أحد شوارع حيفا في أوائل القرن العشرين
om_lathuum113
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *