الغذاء حق بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 29/02/2024

الغذاء حق
بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة -حيفا
ومأذون حيفا الشرعي

اصبحنا نسمع عن طغيان الجوع والعطش وقلة الحيلة في ظل الحروب الطاحنة في جميع اسقاع الأرض بشكل عام وفي غزة بشكل خاص نتيجة للحرب الطاحنة والحصار المستمر والذي أكثر ما يعاني منه المواطن المسالم وبشكل خاص الأطفال والنساء الى حد تتفطر قلوب الذين ينتمون الى البشرية وهذا الحق تعاهدت عليه الأمم والشعوب وقدمت مواثيق الأمم المتحدة ليظمن هذا الحق وخاصة في ظل الحروب والنزاعات وهذا الحق قد يتساوى فيه كل مخلوق من المخلوقات ولكن المؤسف بل والذي يقطع القلوب أنك ترى اطفالا صغارا تجف اجسامهم من قلة الطعام وندرة الماء والسؤال أين الإنسانية وأين القانون الإنساني ؟ فإن كان هؤلاء لا يستجيبون للحق فإنا نذكرهم بحديثين لرسول الله لعلهم يسمعون او يعقلون , عن عبد الله بن عمر ان رسول الله قال ( عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت , فدخلت فيها النار , لا هي أطعمتها ولا سقتها , إذ حبستها , ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ) وكأن الرسول يقول لنا اذا اغلقت منافذ الرزق عن أي مخلوق يتوجب عليك أن توفر له كل احتياجاته من الغذاء وإلا ستنزل عليك عقوبة من الله , أما الحديث الثاني ما رواه ابو هريرة عن رسول الله انه قال ( بينما رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال : لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي , فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب , فشكر الله له فغفر له , قالوا يا رسول الله : وإن لنا في البهائم أجرا ؟ قال ( في كل كبد رطبة أجر ) وفي رواية ( بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني اسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به ) والشاهد في هاذين الحديثين أن الله غفر لهما بفعل الرحمة والشفقة والتي تؤدي الى رحمة الله لقول رسول الله ( الراحمون يرحمهم الرحمن , ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) ومن يجوع الأطفال والنساء والأبرياء فهو يرتكب جريمة بحق الإنسانية ويتعدى على حق من حقوق العباد وهذا التعدي يعتبر ايضا تعدى على حق الله لأن بالغذاء تحفظ الحياة , والحياة من الضروريات الخمس التي دعى الدين الى حفظها قال الإمام الشاطبي : ومجموع الضرورات خمس هي : حفظ الدين , والنفس , والنسل , والمال , والعقل . فإذا فقدت هذه الضرورات فقد الأمن وفقدت الحياة الكريمة لبني البشر لذا لما اراد الله مخاطبة أهل قريش لفت انتباههم الى قضية الأمن الشخصي والنفسي والأمن الغذائي لأن من أمن في سربه وأمن في رزقه حيزت له الدنيا لقول رسول الله ( من أصبح منكم آمنا في سربه , معفى في جسده , عنده قوت يومه , فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها ) قال تعالى مخاطبا اهل قريش فقال ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف )* فنعمة الطعام من النعم التي يشكر عليها الله بل ويتقرب الى الله بها قال تعالى ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) فمن كانت عنده نخوة الأبطال وحب الإطعام لا بد أن يؤثر الآخرين على نفسه لا أن يتجمع الطعام والدواء خارج الحدود المصرية والناس يموتون من شدة الجوع فمن فعل ذلك فإنما يدل على عدم ايمانه بالله قال رسول الله ( ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع الى جنبه وهو يعلم به ) وليس أكبر دليلا على ضرورة التعاون والمشاورة على تامين الغذاء من قصة يوسف عليه السلام فقد جاء في كتاب الله أن ملك مصر رأى في المنام ( قال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف , وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون ) فجاء رد يوسف ( قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون * ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون * ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ) عبر الرؤيا ثم وضع خطة متكاملة من اجل حماية أهل مصر من الجوع , وحتى لا يضيع حق الناس في الأمن الغذائي تكفل نبي الله يوسف بمهمة الزراعة وحماية الزرع وتوزيعه فقال ( قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ) فهل نجد اليوم من حكام العرب من عنده الغيرة على الأطفال والنساء والأبرياء فيحفظ لهم لقمة العيش فالشرع حث على ذلك من خلال القرآن والسنة المطهرة بل ولم يقف الحد عند الحث بل جعل ذلك اسلوب من اساليب التعبد لذا فرض الله علينا الزكاة وفرض علينا كفارات بعد الذنوب حيث تخرج طعاما او نقدا حسب الحالة لتعود على مصلحة الفقراء والمساكين مثل : كفارة اليمين اطعام ثلاثة عشرة مساكين , والنذر ( يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) وكفارة الظهار ( كأن يقول الرجل لزوجته أنت علي كظهر أمي ( فيكفر عن ذلك باطعام ستين مسكينا ) ومن افطر برمضان بعذر يطعم عن كل يوم مسكين وهل يعقل أن يكون عالمنا العربي والاسلامي غافلا عن حق الأطفال والنساء بالحياة الكريمة فهل هؤلاء لا يسمعون قول رسول الله ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *