العنف…ولا ناهر ولا ناهرة!

مراسل حيفا نت | 19/03/2019

العنف…ولا ناهر ولا ناهرة!

د. منعم حدّاد

ويتواصل مسلسل العنف في بلادنا وتزداد وتيرته يوماً بعد يوم، ويحصد أرواح عشرات الأبرياء من النساء والرجال، وتفرض أوامر حظر النشر المرة تلو الأخرى، ويبقى الكثير من الجرائم مجهول الفاعل…فالشرطة كما يبدو “تقوم بواجبها على أكمل وجه”، لكنها لا تفلح دائماً في “فك طلاسم” الجرائم، ولديها ما يشغل بالها، خاصة لدى بعض كبارها!

هذا ناهيك عن العنف شبه اليومي ضدّ النساء والطواقم الطبية والعاملين الاجتماعيين والمعلمين وغيرهم ممن ليس لهم منظمات وجمعيات وهيئات ترفع صوتهم عالياً لمناهضة العنف ولجمه!

وبعض جرائم العنف التي تجري ممارستها يتحمل بعض المعنّفين (بفتح النون) أنفسهم ووحدهم وزرها إلى حدّ ما دون سواهم، لأنهم لو قاموا بواجبهم كما يجب، وأعطوا كل ذي حقّ حقّه، وتصرفوا بالعدل والقسطاس وليس حسب المحسوبية والوساطة، فلربما لم يتعرض هؤلاء للعنف مطلقاً!

ويستشري وبأ العنف ووحشه الكاسر حيث يتضاءل التثقيف الاجتماعي والتوعية الاخلاقية، فالمدارس تعجّ بالمعلومات في شتى الميادين، أما ما يكرس للتربية القويمة والتنشئة الأخلاقية الحسنة فليس على رأس قائمة الأولويات، ناهيك عن أن السيرة الحسنة والنهج الأخلاقي تحولا وللأسف إلى بضاعة كاسدة في أكثر من ميدان من ميادين الحياة.

وتكمن الطامة الكبرى في انعدام العقاب الرادع لمرتكبي جرائم العنف، فالعقوبات التي قد تفرض عليهم تثير السخرية أحياناً، لأنه لا تتناسب وحجم الجريمة النكراء التي ارتكبوها.

ولا يخفى على أحد أن عدداً ليس بالقليل منهم قد يفلت وينجو من العقاب، بفضل حنكة محام قدير وخبرته، أو بسبب “صفقة ادعاء” معينة، أو بسبب “ظروف مخفّفة” أو ماض “نقي” أو سواها من الأسباب، وحتى لو حكم عليه بعقوبة ما فيبقى الباب مفتوحاً على مصراعيه لنيل العفو العام أو تخفيف العقوبة وما شابه…

وما يفتقده المرء في كل تلك “المعمعة” هو انعدام الردع مطلقاً تقريباً، ويبدو أحياناً أن السجن (المعاصر) لبعض مرتكبي الجرائم هو للإصلاح فقط في هذه الأيام وليس للعقاب…

ويخيل أحياناً أنه “فندق” للاستجمام والنقاهة (وحتى الدراسة والاستكمال)، مجاناً ودونما دفع أي حساب…مما يؤدي إلى انعدام الردع!

بل قد يوفر السجن (المعاصر!) للسجناء ما قد لا يتوفر للأحرار الذين خارجه، فثم سجين واحد على الأقل مسجون بتهمة القتل العمد (الاغتيال) هيّئوا له  حتى إمكانية الزواج والإنجاب وهو يقبع داخل السجن!!!

أما لو كانت تفرض عقوبات صارمة ورادعة على المجرمين على اختلاف ما ارتكبوه فلربما تغيرت الاوضاع وراح كل من تخول له نفسه الأمارة بالسوء ارتكاب جريمة ما أن يفكر مرات ومرات قبل أن يقدم على فعلته الشنيعة!

ونذكّر أنه في الماضي كان المعلمون على سبيل المثال (وما زالوا كذلك في بعض الدول حتى أيامنا هذه) يعاقبون التلاميذ المخالفين والمشاغبين بالعقاب البدني…

وأفادت إحدى الدراسات الجادة في حينه أنه كان لهذه الحقيقة تأثر فاعل إلى أبعد الحدود، ورغم أن ممارستها لم تكن دائمة ولا متواترة، إلا أن التلاميذ كانوا يخشون أن يخالفوا أو يرتكبوا جرماً لأنهم كانوا يعرفوا أن عملاً كهذا سيعرضهم للمسؤولية والمساءلة ويضعهم تحت طائلة العقاب البدني قبل كل شيء…

وقد قيل قديماً: “اقتل اللي في البور بتربى اللي في الزرع”!

فكيف إذا لم يكن “قتل” ولا ردع ليس للذي في البور ولليس للذي في الزرع؟

أو كما يقال أيضاً: “لا ناهر ولا ناهرة ومين بيردّ العاهرة”؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *