بَرَارِي الضِّبَاعِ وَخَرِبَةُ سَلْمَان نَاطُور بَرْقِيَّةٌ عَاجِلَةٌ

مراسل حيفا نت | 12/08/2018

بَرَارِي الضِّبَاعِ وَخَرِبَةُ سَلْمَان نَاطُور
بَرْقِيَّةٌ عَاجِلَةٌ

كَتَبَ: وَهيب نَدِيم وَهبة

تَنْمُو اللُّغَةُ وَتَسْمُو، فِي بَدِيعِ الْبَلَاغَةِ، كَمَا تَنْمُو السَّنَابِلُ وَتَعْلُو.
عِنْدَهَا تُصْبِحُ غَابَاتُ الْكَلِمَاتِ – مَشَاعِلَ – أَوِ الْحُروفُ حرابًا تُقَاوِمُ.
كُلُّ الْحَرَائِقِ الَّتِي أَشْعَلُوهَا، بَيْنَ ضِفَّتَيِّ الْقَوْمِيَّةِ وَالْهُوِيَّةِ فِي غَابَةِ لُغَتِي..
مَرَّ فَوْقَهَا الْفَارِسُ وَصَهِيلُ الْفَرَسِ الْأحْمَرِ يَشَقُّ عُبَابَ النَّارِ بِالنُّورِ.
صَدِيقِي سَلمَان تِلْكَ بَرْقِيَّةٌ عَاجِلَةٌ فِي وَطَنِكَ الْآخرِ..
كَيْ تَطْمَئِنَّ وَأَنْتَ هُنَاكَ..
تَحْتَضِنُكَ سَيِّدَةٌ، عَرِيقَةُ الْجُذُورِ، بِرِقَةِ وَرْدَةٍ يَكْتُبُ لَهَا الرّيحُ شِعْرًا وَيَقْطُفُ لَهَا كَرَمْلُنَا بَعْضَ عَنَاقِيدِ الْعِنَبِ – تَحْتَضِنُكَ بِذِرَاعَيْهَا وَتَشُمُّ
فِيكَ رَائِحَةَ الْوَطَنِ – أَلَيْسَتْ تِلْكَ وِلَاَدَةٌ ثَانِيَةٌ?
4
أُخَاطِبُكَ بِالصَّوْتِ الْعَالِي بِلُغَةٍ أقْرَبُ مَا تَكَوُّن لِلْوَرْدِ..
كَيْ تُطَمْئِنَ نَفْسَكَ وَيَرْتَاحَ بَالُكَ..
قَدْ أَكَلتْنَا الضِّبَاعُ وَضَحَايَانَا بِالْعِشْرَاتِ وَبَقِينَا هُنَا.. نُصَارِعُ الرّيحَ.

أَقَوْلُ لَكَ الْآنَ” أَكَلتْنَا الضِّبَاعُ.. وَأَصْبَحْنَا بِلَا ذَاكِرَةٍ بِلَا هوِيَّةٍ، كَائِنَاتٍ
تَقْبِضُ عَلَى الرّيحِ. “هَلْ تَسْتَطِيعُ؟”
تِلْكَ النُّبُوءةُ الَّتِي كَرَّسْتَ حَيَاتَكَ وَأَنْتَ تُهَذِّبُ فِينَا مَنَاهِجَ الثَّقَافَةِ وَالسِّيَاسَةِ
كَيْ نَفْهَمَ مَعَانِيَ الْحَيَاةِ فِي لُغَةِ حَضَاَرةِ الْيَوْمِ، فِي قِمَّةِ الْاِرْتِقَاءِ التِّكْنُولُوجِيِّ
“مَاذَا تَعْنِي كَلِمَةُ الْوَطَنِ وَالْعَدْلِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ “حَذَّرَتَنَا كَثِيرًا.

لَمْ تعتبْ يَوْمًا أَوْ تَغْضَبْ مِنًّا..
كُنْتَ تَغْفِرُ لَنَا زَلَّاتِنَا وَعَدَمَ ادْرَاكِنَا وَقْلَّةَ وَعْيِنَا وَعَلَيْنَا الْاِعْتِرَافُ”
لَقَدْ خَدَعَنَا بَرِيقُ الشَّمْسِ وَبَهَاؤهَا”!

أَرْنُو الْآنَ إِلَى مِنْطَقَةِ الْخِرْبَةِ وَقَدْ غَادَرَهَا حَارِسُ الذَّاكِرَةِ الْفِلَسْطِينِيَّةِ
وَعَمِيدُ الْأدَبِ الشَّفَوِيِّ لِلتَّارِيخِ وَالذَّاكِرَةِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ.
كُنْتَ تَعَرفُ، طَائِفَةً فِي مَهَبِّ الرّيحِ.. مِنْ كُلِّ جِهَاتِ الْأرْضِ تُقَاوِمُ..
وَكُنْتَ دَائِمًا تُقَاوِمُ الرّيحَ وَتَعَلمُ مَزَايَا مِيزَانِ الْعَدْلِ الْمَثْقُوب.

-2-
بَيْنَكَ وَبَيْنَ” خَمَّارَةُ الْبَلَدِ “خَطْوَاتٌ فَوْقَ جَسَدِ الصَّحْرَاءِ.. مقْعَدُكَ الْفَارِغُ
فِي “اِنْتِظَارِ “فِنْجَانِ قَهْوَتِكَ المرِّ الصَّبَاحِيِّ.. عُلْبَةُ سَجَائِرِكَ..
أَوَرَاقُ خَرْبَشَاتٍ، أَرقُ اللَّيْلِ وَإِرْثُ التُّرَاثِ..
وَبَعْضُ الرَّسَائِلِ الْمحْمَلَةِ بِالشَّوْقِ مِنْ رَام الله فِي” فَصْلِيَّةِ / قَضَايَا إسْرائيليَّة”.
سِتُّونَ عَامًا مِنْ رِحْلَةِ الصَّحْرَاءِ – سَبْعُونَ عَامًا وَمَقْعَدُكَ فِي اِنْتِظَارٍ.

لَا تَنْحَنِي حَنِيْنًا فَوْقَ تُرَابِ الْبَلَدِ ..وَأَنْتَ الْعَائِدُ مِنْ هُنَاكَ..
مَا زِلْنَا نَكْتُبُ بِالْحِبْرِ الْأسْوَدِ وَنَبْلَعُ الْخَيْبَةَ تِلْوَ الْأُخْرَى..
مَا تَغَيّر بَعْدَكَ الْكَوْنُ.. شَرِسًا كَانَ وَزَادَ شَرَاسَةً وَمَا زلْنَا..
نَحْمِلُ فِي صُدُورِنَا الْحِكْمَةَ وَنُصّلي كَيْ تُنْقِذَنَا السَّمَاءُ.
كَمَا تَجَرَّعَ سُقْرَاطُ كَأس السُّمِّ بِالصَّمْتِ الْمُطْلَقِ وَالْغُفْرَانِ.

لِكُلِّ الَّذِينَ يَرْصُدُونَ وَقْعَ أَقْدَامِنَا فَوْقَ أَدِيمِ الْأرْضِ أَقُولُ:
فِي عَامِ 1990- تَرَكَ سلمَان الْحِزْبَ الشُّيُوعِيَّ وَتَرَكَ حيْفا وَغَابَ عَنِ
الْكِتَابَةِ لِمُدَّةِ 18 عَامًا وَفِي الْعَامِ 2008 عَنْدَمَا عَادَ إِلَى حيفَا حَيْثُ كَان
يعْمَلُ يَكْتُبُ وَيُحَرِّرُ الصُّحُفَ وَالْمَجَلَّاتِ..

أَبْصَرَ حيْفَا جَديدَةً مِنْ خِلَالِ شَخْصِيَّةِ بَطَلِهِ الْعَائدِ مَعَهُ إِلَى حيْفا
” أَحَمِدُ بْنُ رَابِعَةَ “الَّذِي يُجَسِّدُ شَخْصِيَّةَ سلمَان بِكُلِّ مَا تَتَجَلَّى الْكَلِمَةُ
وَتَسْمُو فِي اِلْمَعَانِي.
هَذَا مَا تَرَكَ لَنَا فِي رِوَايَتِهِ” عَائِدٌ إِلَى حيْفا “ص 410 – وَأَنَا وَغَيْرَي وَأَنْتُمْ
قَفْزَ كَالْغَزَالِ الْآنَ إِلَى ذَاكِرَتِكُمْ “وَمَا نَسِينَا “غَسَّانَ كَنَفَانِي وَالْعُنْوَانَ.
يَقُولُ الرَّاوِي:” سَأَلَنِي أَحَمِدُ بْنُ رَابِعَةَ: لِمَاذَا غِبْتَ عشْرِينَ عَامًا؟ هَلْ تَيَسَّرَتْ مَعَكَ الْأُمُورُ؟ هَلْ صَارَتْ حَيَاتُكَ بِلَا همُومٍ؟ هَلِ الْحُكُومَةُ رَاضِيَةٌ عَنْكَ أَمْ أَنَّكَ لَمْ تَعُدْ مُشَاغِبًا كَمَا عَرفَتُكَ فِي شَبَابِكَ؟ هَلْ تَغَيّر كُلُّ شَيْءٍ لِتَعِيشَ حَيَاتَك بِلَا خَمَارَةٍ أَمْ أَنَّكَ صُرْتَ تَأْخُذُ الْأُمُورَ بِجِدِّيَّةٍ فَائِقَةٍ وَأَنْتَ قَابِعٌ فِي بُرْجِكَ مِثْلُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ تَحْرِيرَ الْعَالَمِ وَهُمْ جَالِسُونَ عَلَى الْكَنَبَات الْمُخْمَلِيَّةِ فِي صَالُونَاتِ بُيُوتِهِمْ أَوْ فَنَادِقَ خمُسَ نُجُومٍ وَيَذْهَبُونَ إِلَى مُظَاهَرَاتِ الْغُلَّابَةِ بِسَيَّارَاتِ الْمَرْسِيدِسِ؟”

سلمَان نَاطُور هُنَا فِي بَيْتِي كَالْعَادَةِ فِي مِقْعَدِهِ الثَّابِتِ بِكُلِّ تَوَهُّجِ الْفِكْرِ وَالْعَاطِفَةِ..
يُحَاوِلُ أَنَّ يُدْرِكَ كَيْفَ أَكْلَتنا الضِّبَاعُ وَأصَبحنَا بِلَا ذَاكِرَةٍ.

إشارات:
ورد في المقالة بعض كتب الأديب سلمان ناطور -1- خمارة البلد -2- ستون عاما – رحلة الصحراء – 3 – انتظار.
• كتاب “خطوات فوق جسد الصحراء” من مؤلفاتي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *