روضة غنايم: نائلة حنا نقارة في بيت الشعب في وادي النسناس شارع الخوري 23 (الجزء الثاني)

مراسل حيفا نت | 19/11/2017

حيفا في ناعورة الزمان/حاراتٌ بيوتٌ وناس (14)
روضة غنايم مصوّرة باحثة وكاتبة في المجال التوثيقيّ – حيفا
روضة غنايم: نائلة حنا نقارة في بيت الشعب في وادي النسناس شارع الخوري 23
(الجزء الثاني)
فترة الطفولة في حي وادي النسناس
يقع بيت المحامي حنا نقارة في شارع الخوري 23 في حيّ وادي النسناس. وهنا عاش بين السنوات 1949 – 1978. في حيّ وادي النسناس. ويطلّ البيت على ساحة عُرفت باسم
“بستان الشيوعيين”. وتحوّل قسم من الساحة في سنوات الثمانين من القرن الماضي إلى ملعب كرة قدم. وفي البستان كان مقرّ نادي الحزب الشيوعي في حيفا، الذي احتضن في السنوات الأولى لقيام الدولة العبريّة مكتب جريدة الاتحاد، وكانت البناية ملتقى لأعضاء الحزب والكتّاب والمثقفين الذين كانوا يكتبون في الصحيفة. فيما بعد أصبح النادي للشبيبة الشيوعية في حيفا.
بيت الشعب ..
عن الحياة غير العادية في هذا البيت حدثتني نائلة قائلةً: “كان بيت أهلي مفتوحاً لجميع الناس، دون أي تفرقة. وكان والدي إنساناً معطاءً وكريًما. أنا وشقيقي طوني لم نعش طفولتنا مع والدي كباقي الأطفال مع عائلاتهم، لأن الشعب كان يشاركنا به، كون والدي مهتما ومنغمسا بقضايا الشعب المنكوب. ونادرًا ما كنّا نقضي أمسية سويًا في البيت بمفردنا، لأن بعد عودته من مكتبه الخاص كان يعمل في مكتبه المسائي في البيت. فكانت تعرف الناس أن بيتنا مفتوحا لأي حالة طارئة”.
الحياة في وادي النسناس كانت تشبه الغيتو ..
بعد النكبة تمّ تجميع السكان العرب الذين بقوا في حيفا، وأيضاً اللاجئين الذين نزحوا من القرى إلى حيفا، في حيّ وادي النسناس. وقد تمّ نصب الحواجز العسكريّة في مداخل الحيّ. وأصبح بكثافته السكانية وإغلاقه يشبه الغيتو، وذلك نتيجة الحكم العسكري ومنع التجوّل في عام1948، والذي إستمر في جميع أنحاء البلاد إلى عام 1966. وأما في حيفا تمّ فكّ الحكم العسكري في عام 1950نظرًا للسنة الثلجية القوية التي ضربت حيفا والتي جعلت الجنود يتركون المكان نتيجة البرد القارص.
مرحلة التعليم.. وإعادة فتح مدرسة مار يوحنا
تأسست مدرسة مار يوحنا في عام 1868 وشيّدت بناية الكنيسة عام 1935 وموقع الكنيسة في ساحة المدرسة. وتقع المدرسة حتى يومنا هذا في شارع مار يوحنا رقم 23 في قلب وادي النسناس. وبسبب الظروف التي مرّت بها حيفا عام 1948 اضطرت عُمدة المدرسة، وهم السادة بنيامين قرّة وإبراهيم ندّه وإلياس أسعد وحنا قفعيتي إلى إقفال المدرسة، وذلك بسبب الأوضاع الأمنية، وتناقص عدد الطلاب، وعدم دفع الرسوم المدرسية. كذلك أعلنت بعض المعلّمات عن مغادرتهن حيفا. ففي آذار عام 48 أغلقت المدرسة أبوابها.
وعن تعليمها في هذه المدرسة تحدّثت نائلة: “في عام 1950 أراد والدي أن يدخلني إلى مدرسة الأخوّة، وكان مديرها أنذاك المربي حسن فرحات. ولم يكن لي صف في تلك المدرسة، أي صف البستان. ووالدي لم يرغب أن أذهب إلى مدرسة بعيدة عن البيت. لكن مدرسة مار يوحنا التي كانت تقع بجانب بيتنا كانت مغلقة. فذهب والدي إلى القسيس فرح وزوجته نجوى قعوار وطلب منهما إعادة فتح المدرسة.فقالا لوالدي: “لا يوجد طلاب كفاية”فأجابهما: “سنتدبر الأمر وسيأتي الطلاب”. وفعلا تم افتتاحها في20.9.1950.وكان القرار خطوة أولى لفتح صف البستان وثلاثة صفوف ابتدائية”.
وبعض غرف المدرسة قد استعملها اللاجئون ودائرة الشؤون الاجتماعية التابعة لبلدية حيفا. كان عدد التلاميذ الذين سجّلوا في المدرسة 21 طالباً، أولاد وبنات قسموا إلى صفين، صف بستان وصف أول ابتدائي. وكانت المدرسة بإدارة السيدة ثيودورا ظريفة، وبالإضافة إليها علّمت هناك معلمة واحدة. واستطردت نائلة:”وهكذا كنت أنا من أول الطالبات والطلاب الذين يفتتحون المدرسة. أذكر أيضاً الطالبات وهن شقيقات الدكتور سهيل أسعد: عبلة وحنان، والطالبة سلوى المعلم وحفيد المديرة كوستي ظريفة ووديع خوري. تعلّمت في المدرسة حتى الصف السابع”.
وعن ذكريات طفولية أخرى حدثتني مُحدثتي: “كنت ألعب في الحيّ مع بنات الجيران تحت البيت.مثلاً لعبة الإيكس وخمس كعاب ونطّ الحبلة. أذكر أيضاً قبل العيد بأيام كان عمال البلدية ينصبون في الساحة المراجيح والسحاسيل. وكان شقيقي طوني قد أسّس هو ورفاقه فريقاً لكرة القدم، وأطلقوا عليه اسم “فريق المستقبل”. ومن رفاقه كان فؤاد المعلم،إبراهيم تركي (والد الدكتور خالد تركي) وذيب عابدي وبطرس تركي وآخرون. حفظوا كل أغراض الفريق ونشاطاته في بيتنا، وكانوا يتدربون تحت البيت في بستان الشيوعيين”.
المرحلة الثانوية وبدايات الكلية العربية الأرثوذكسية..
وعن المرحلة الثانوية تابعت قائلةً: “والمرحلة الثانوية تعلّمتها في الكلية العربيةالأرثوذكسية وكانت تقع المدرسة في البداية في بيت ذي عدد غرف في شارع أللنبي، فوق دكان مسعود أبو خضرة. وهذه البناية كانت ملكا لطائفة الروم الأرثوذكس وما زالت حتى اليوم. تعلمت في هذه البناية سنتين ثم انتقلت إلى المبنى الحديث في شارع يتسحاق ساديه”.
كان المحامي حنا نقارة، محامي الطائفة الأرثوذكسية، وذلك منذ بداية عام 1948 وفي فترة لاحقة استطاع المحامي حنا نقارة تحرير أرض الطائفة في شارع يتسحاق ساديه. ووقتئذ حصل جدل بين أعضاء المجلس الملي، بين من ساند فكرة بناء كنيسة إضافية للطائفة أو مدرسة. فحنا نقارة عارض بناء كنيسة إضافية وقال:”يوجد لدينا كنيسة تفي باحتياجات الطائفة من جميع النواحي، ولكن ينقصنا مدرسة ويجب أن نقوم ببناء مدرسة ثانوية لطلاب حيفا وخارجها”. ودعم فكرته ثلاثة أعضاء وهم: سليمان قطران، سليم جبران وجان مجدلاني. وبإصرار حنا نقارة أنشئت بناية المدرسة الجديدة.التي تأسست المدرسة في عام 1952 وشيّدت بناية المدرسة في عام 1960.قام بتخطيط وهندسة البناية المهندسان طوني حنا نقارة ويسرائيلي.
انتقلت نائلة لاستكمال المرحلة الثانوية في بناية المدرسة الجديدة، الذي كان مديرها وقتئذ المربي شكري خازن. وعن المعلمين قالت: “علّمني اللغة العربية المربي حنا أبو حنا، واللغة الإنجليزية المربية سلمى الماضي، حيث ربطتني بها علاقة مميزة. كنت أحب اللغة الانجليزية جداً، وكانت والدتي تشجعني على قراءة الكتب بهذه اللغة. وأذكر في حفلات المدرسة كنت ألقي كلمة المدرسة باللغة الإنجليزية”.
بعد الثانوية والخروج إلى الحياة
أنهت نائلة مرحلة الثانوية في عام 1961، وعملت موظفة في مكتب والدها ستة أعوام. وهناك انكشفت على قضايا الأرض والتصاريح التي كانت تذهب لإحضارها. وعملت كذلك في معاملات الهويات الزرقاء التي انشغل والدها بإصدارها بدل الهويات الحمراء، لتثبيت المواطنة للفلسطينيين، الذين رحلوا وعادوا تسللاً إلى الوطن. وفي عام 1967 تزوجت من الأستاذ بطرس أبو منه وسكنا في بريطانيا، وهناك أنهى زوجها أطروحة الدكتوراه في موضوع التاريخ في جامعة أكسفورد وأنجبا رائد وبشير. وفي آخر عام 1971 عادا إلى حيفا، وبدأ زوجها يعمل محاضراً في جامعة حيفا في قسم تاريخ الشرق الأوسط، وحصل لاحقاً على لقب بروفيسور.
ومضت نائلة تقول:”عند عودتنا سكنّا في حي روميما في جبل الكرمل في شارع أورن. كانت تجربة أخرى في حياتي، لأننا أقمنا في حيّ يهودي، وابننا رائد دخل إلى صف الروضة اليهودية، واندمج مع الأطفال، وشارك أعيادهم مثل عيد الفصح والأنوار. وأنا في المقابل وجهّت دعوة لأولاد صفه إلى بيتنا لرؤية شجرة الميلاد، وشرحت لهم عن هذا العيد، وسكنّا هناك لسنتين وكانت تجربة جميلة، وربطتنا علاقة جيّدة واحترام متبادل مع جيراننا اليهود. وارتأينا أن يتربّى أولادنا على الثقافة والحضارة العربية فانتقلنا للسكن في بيت اشتريناه في عباس 61 وعشنا فيه مدة اثني عشر عاما”.
في عام 1987 حصلت نائلة على الماجستير في اللغة الإنجليزية في جامعة كينت في بريطانيا. ودَرّست اللغة الإنجليزية في الكلية العربية لمدة 22 عاما، وعملت أيضاً محاضرة في جامعة حيفا في قسم اللغات الأجنبية لمدة ستة عشر عاما”.
وعن نشاطاتها الأخرى أضافت: “كنت نشيطة في الأطر النسائية من أجل تعزيز النساء. وكنت نشيطة في نادي عباس واستطعت مع بعض الصديقات من الحيّ التأثير وإقامة ملعب للأطفال في الحيّ. وبالإضافة إلى ذلك كنت عضوة في الجمعية المسيحية مع المرحوم الدكتور سامي جرايسي ما يقرب عشرين عاما، وقمت بالأعمال الخيرية. حياتي كانت مليئة بالعمل الاجتماعي والثقافي، فمثلا أقمنا في الجامعة سمينار لنساء يهوديات وعربيات أكاديميات، ضمن مشروع “كدما” التابع لتطوير المرأة في الجامعة. اليوم أنا نشيطة في النادي النسائي الأرثوذكسي منذ خمسة عشر عاما، المنبثق عن لجنة النشاطات في المجلس الملّي الأرثوذكسي الذي كنت عضوة فيه سنوات عديدة”.

تدشين شارع على اسم حنا نقارة في عام 2004
في عام 1978 انتقل حنا نقارة وعائلة نجله طوني للسكن في عمارة شيّدت في شارع الراب خلفون. تزوج طوني من سهيلة منيّر وأنجبا حنا ورانية. وبعد سنوات عديدة من وفاة المحامي حنا نقارة، في عام 2002 قررت لجنة تسمية الشوارع في بلدية حيفا بالتوصية من رفاق كان أعضاء في البلدية إطلاق اسم حنا نقارة على أحد الشوارع، وبعد مشاورات مع ابنته نائلة تقرر تخليد اسمه في حي وادي النسناس. وفي عام 2004 تم تحقيق ذلك ودشن سبيل على اسم حنا نقارة على زاوية شارع الخوري 23. وعن اختيار المكان قالت نائلة: “اخترت هذا المكان بالذات لأن روح والدي وخطواتنا الأولى كانت في هذا الحيّ، وأردت أن تبقى ذكراه في هذا المكان”.
وفي عام 2010 كرّمت بلدية رام الله المحامي حنا نقارة، وقامت بإطلاق اسمه على أحد شوارعها.
والجدير ذكره أن المحامي حنا نقارة كتب قبل وفاته كتابًا باللغة الإنجليزية عن مصادرة الأراضي في البلاد. توفي قبل أن يصدره ولكن ابنته نائلة تابعت موضوع الكتاب منذ سنوات مع مركز عدالة في حيفا، وخلال الفترة القريبة سيتم إصداره. بالإضافة إلى ذلك كتب مذكراته، وهي عبارة عن سيرة ذاتية حتى عام 1948 “حنا نقارة محامي الأرض والشعب” وتم إصداره عام 1985 أي بعد وفاته بعام واحد، من قبل مؤسسةالأسوار في عكا، وصدرت الطبعة الثانية مع إضافات في عام 2011 من قبل مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت.
وفي نهاية مقالتي أوجّه نداءً، حبّذا أن يتم تسمية الكلية العربية الأرثوذكسيّة على اسم طيب الذكر المحامي حنا نقارة، لمساهمته الكبيرة والبارزة في قضايا تحرير الأراضي والأملاك واسترجاعها لأصحابها، وكونه أول من استطاع تحرير أرض الكلية وإعادتها للطائفة، ولمبادرته وإصراره على إقامة هذا الصرح التربوي الكبير.

E- rawdagniam@gmail.com
نائلة امام مدخل بيت العائلة في وادي النسناس

شارع حنا نقارة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *