شؤون أرثوذوكسية!

مراسل حيفا نت | 09/10/2017

شؤون أرثوذوكسية!
د. منعم حدّاد
بين مؤتمرين:
قرأنا ما تسنى لنا قراءته من شذرات من القرارات التي اتخذها المؤتمر الوطني الأرثوذوكسي الذي عقد في بيت لحم مؤخراً، والذي قرّر عزل البطريرك ثيوفيلوس، ومما لفت نظرنا التشابه بين بعض هذه القرارات وبين القرارات التي اتخذها المؤتمر الأرثوذوكسي العربي الأول الذي عقد في مدينة حيفا سنة 1923 (كتاب “خلاصة، خلاصة تاريخ كنيسة أورشليم الأرثوذوكسية، الصفحات 324-340)، والتي لم يتمّ تنفيذها والأخذ بها رغم مرور أربعة وتسعين عاماً على اتخاذها، فالأوضاع الارثوذوكسية ما زالت كما كانت، وربما تحولت إلى الأسوأ، خلال هذه السنين الكثيرة، مما قد لا يبشّر بالخير وبتنفيذ القرارات الحالية.
من إيرينيوس الى فيلوتيوس:
قبل حوالي اثنتي عشرة سنة خلعوا البطريرك السابق ايرينيوس، واتهمه البعض يومها بأكثر من اتهام، وأطاحوا به!
وهلل البعض وطبل وزمر للبطريرك الجديد، البطريرك الحالي ثيوفيلوس، وصوّروه وكأنه المسيح المنتظر، والمنقذ والمخلص…!
وما هي إلا سنوات قليلة حتى “ذاب الثلج وبان المرج”، وانقلب مطبّلون ومزمّرون كثيرون عليه بعد أن أمعن في تبديد الأوقاف بيعاً وتسريباً وتأجيراً…
ولم نعاضد خالعي ايرينيوس ومنكريه ولم نعانق متوّجي ثيوفيلوس والمطبلين المزمرين له ولم نشدّ أزرهم، فـ”كلاهما” ينتهي اسمه بـ”وس” ولا تقضّ شؤون الأرثوذوكس العرب مضاجعه…
“كنيستوس ارتودوكسيوس اورشليميوس”؟
لو تسنى لأحد مراجعة جدول أسماء أصحاب الغبطة البطاركة المقدسين والأجلاء الذين تربعوا على عرش البطريركية المقدسية الأورشليمية الأرثوذوكسية منذ سنة 34 للميلاد وحتى اليوم للاحظ أن الأكثرية الساحقة من هذه الأسماء تنتهي بالسين وما إليها، وحتى لو كان البطريرك عربياً صرفاً ومن أقحاح العرب فلا بدّ من أن يلحق باسمه سيناً أو ربما ياء وواواً وسيناً، “ليلبس قبعه ويلحق بربعه”، فهذه هي الأسماء “المباركة والسائدة والمسيطرة”، ولا بد لمن يريد أن يسير في ركابها من أن يجاريها، ولو في التسمية على الأقل، “فمن يقعد بين العوران فليعور عينه”، و”في روما تصرّف كروماني”، ومع اليونان تيونن وكن “يونانيوس”…
هذا هو نهج البعض والذين لولا شيئاً من الحياء أو الخوف والخشية لأصرّوا على تسمية هذه الكنيسة بالكنيستوس الارتودوكسيوس الاورشليميوس…
تيوننوا…تيوننوا…!
وليس هذا التيونن وقفاً على العرب الذين حالفهم الحظ وتربعوا على عرش السدة البطريركية فقط، وإنما هو من نصيب الكثيرين من الكهنة العرب، الذين حقّقوا آمالهم وأنجزوا طموحاتهم في الانخراط في سلك الكهنوت خدمة لأبناء وطنهم وكنيستهم وأهاليهم، لكنهم فضّلوا أو أرغموا أو “استحلوا” أو قلّدوا الغير وغيّروا أسماءهم لتنتهي هي الأخرى بالسين واخواتها، وقد لا نجد كاهناً أرثوذوكسياً واحداً يتسمى باسم عربيّ مثلاً، إذ عندما يلبسونه ثوب الكهنوت سرعان ما يتيونن ويتسمى باسم يوناني بدلاً من اسمه العربي الأصيل!
ونتساءل: هل سيأتي يوم يصبح فيه حنا هنانيوس، والياس ايليسيوس…؟
هل يتحّرر الأرثوذوكس؟
وترى، هل يتحرر الارثوذوكس من الهيمنة الأجنبية والسيطرة الغريبة على مقدراتهم وأوقافهم وحياتهم؟ أم أن هذا حلم صعب المنال ولن يتحقّق؟
الإغريق العظماء اختفوا عن مسرح التاريخ، واعتكفوا في بلاد اليونان، الإسكندر المكدوني قضى نحبه، وتشتت أتباعه، روما العظيمة انهارت، الامبراطورية الفارسية تلاشت، البرابرة الجرمان ذابوا واختفوا… وحتى ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية دالت بهما الأيام (والأيام دول)!
والاتحاد السوفياتي العظيم تمزق وتفتت، وأمريكا العظيمة تتراجع…
الاستعمار الاوروبي زال كلّه إلى غير رجعة، أوروبا انحسر سلطانها عن بقية القارات، أفريقيا السوداء انتفضت وحطمت القيود والأغلال…
أما الأرثوذوكس فما زالوا يرزحون تحت سيطرة سواهم!
ويبدو أن الاستعمار الأجنبي للكنيسة الارثوذوكسية العربية سرمديّ من الأزل وإلى الأبد!
وهل ثمّ أمل في التحرر من ربقته؟
إنّ “الحركات” التحررية التي شهدتها هذه الكنيسة على مر القرون لم تفلح في وضع حدّ لهذه المأساة، فهل ستفلح هذه المرة؟
“ليسوا عرباً”؟
المؤرخ الروسي المطران كبريل “مكث” في فلسطين وسوريا خلال سنتي 1858-1859 وكتب: “إن الكهنة الوطنيين أبناء العرب يعيشون من رواتب صغيرة يتناولونها من صندوق الوقف الأرثوذوكسي وحالتهم هي أحطّ بكثير من حالة أفقر خادم من خدمة الأديرة اليونان…”
ولم يختلف الوضع عمّا كان عليه!
ويجري تقديم بعض الدعم لترميم بعض الكنائس بالتواطؤ مع عناصر معينة لتسهيل مهمة الاستيلاء عليها وامتلاكها…
وقال: “إن العرب المساكين كان يقنعهم الإكليروس اليوناني بأنهم ليسوا عرباً بل يوناناً تناسوا جنسيتهم ومن الواجب أن يدعوا يوناناً لا عرباً كي ترفع عن عاتقهم جميع الامتهانات والاحتققارات والمذلات التي تقع على أعناقهم بسبب حملهم اسم العرب المحتقر”(خلاصة تاريخ كنيسة أورشليم الأرثوذوكسية، ص 374-375)
فهل أسخف من ادعاء كهذا وأحطّ وأحقر منه؟
أليس في تاريخ العائلات الارثوذوكسية العريقة ما يفند هذه المقولة الغبية ويقوّض أركان هذا الادعاء الحقير؟
أم أن الأعوان والأزلام كفلاء بنشره وتثبيته؟
unnamed-4-8-221x300

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *