روضة غنايم: بيت إميل حبيبي عباس 13 أ وسرايا بنت الغول…

مراسل حيفا نت | 29/09/2017

حيفا في ناعورة الزمّان/حاراتٌ بيوتٌ وناس (7)
روضة غنايم مصورة وباحثة – حيفا
روضة غنايم: بيت إميل حبيبي عباس 13 أ وسرايا بنت الغول…
في صباح يوم ربيعيّ من شهر آذار الماضي أجريت اتصالاً هاتفياً مع السيدة ندى حبيبي– عبود شقيقة الأديب إميل حبيبي، التي تسكن في بيت العائلة في شارع (عباس 13 أ)، وطلبت أن أزورها لأتعرف عليها وعلى البيت.
وما يميز هذا البيت، أنه حافظ على أصالة معالمه من أبواب وشبابيك وبلاط، ونلاحظ أيضاً أن عتبة البيت مازالت من صبّة باطون، مما تضيف عليه جمالاً وعراقة. وتفوح من البيت رائحة وعبق البيوت الفلسطينية. وداخل البيت كانت بئر ماء تم تحويلها فيما بعد إلى غرفة للمعيشة.
السيدة ندى امرأة جميلة الشكل وجميلة الروح، الابتسامة لا تفارق محيّاها، وهي من مواليد عام (1925). وصاحبة نكتة وروح مرحة. وقد أباحت لي عن عمرها: “عمري 19 عاماً وتستطيعين قلب الرقم”، قالتها بابتسامة لطيفة.
حدثتني ندى عن البيت قائلةً:”أمي وأبي من مواليد شفاعمرو. في نهاية القرن التاسع عشر شيَد شقيقي الأكبر وديع هذا البيت، وهو عبارة عن ثلاثة طوابق، في الطابق الأول سكن والديّ بعد مجيئهما من شفاعمرو مع أشقائي وديع، أديب، حليم، كريم، نخلة ووديعة للعيش والاستقرار في حيفا، وفي الطابق الثاني سكن شقيقي وديع والطابق الثالث كان معدّ لأحد أبنائه. في هذا البيت وُلد شقيقي إميل ونعيم وأنا.
في عام (1939) تزوجت ندى من صادق عبود، وأنجبا أربع بنات وولداً واحداً. وعن زواجها تحدثت قائلةً:”كنت أرتّل في جوقة ترتيل في “كنيسة مار يوحنا”. في أحد الأيام زار صادق القسيس فسمع صوتي من وراء جدران الغرفة، فسأله عن صاحبة الصوت فكشف القسيس إسمي. وبعد فترة قصيرة التحق صادق بالجوقة ونشأت بيننا قصة حُبّ جميلة( بس طبعاً كنا نطلع ومعنا حرّاس). تزوجنا وسكنّا في البلد التحتا، وعندما بدأت المناوشات في عام (1948) لجأنا للاحتماء في مدينة الناصرة. وبعد انتهاء الحرب عدنا إلى حيفا، فوجدنا بيتنا مهدوماً، وسكنا في بيت العائلة.عندما توفي زوجي في سن مبكرة إثر نوبة قلبية، ترك لي خمسة أبناء.تعلّمت لأصبح حاضنة للأطفال في “دار المعلمين” في حيفا، وبعدها عملت سنوات عديدة في مدرسة (مار يوحنا) حاضنة أطفال”.
سألتها عن طفولتها في هذا البيت فقالت:”أذكر أن شقيقي الأكبر وديع كان يأخذني يومياً من البيت إلى المدرسة في عربة الحنطور(أصبح عنده فيما بعد شركه لسيارات الأجرة). تعلمت من صف البستان إلى الصف السابع في “مار يوحنا” وبعدها انتقلت إلى مدرسة البنات “إنكليش هاي سكول” التي تقع في شارع “شبتاي ليفي” واليوم بناية المدرسة أصبحت متحفاً للفنون”. وعن ألعاب الطفولة ذكرت”كنا نلعب الغميضة والإيكس(لعبة القفز) ولعبة نط الحبل ولعبة خمسة كعاب”.
وهذا البيت كان مصيره عام (1948) مثل مصير بقية البيوت التي احتلت وتم الاستيلاء عليها بعد أن أخلتها المنظمات الصهيونية من سكانها، ولكن هذا البيت حرّره إميل حبيبي بذكائه. عندما عاد إلى البيت وجد جندياً مسلحاً يجلس فيه فأحرجه إميل حين جلس قبالته لساعات طويلة مُحدقاً به حتى انسحب الجندي في منتصف الليل من البيت وهكذا استعاد البيت.
وفي حديث خاص لي مع جهينة ابنة الأديب إميل حبيبي، الذي سكن هذا البيت حتى عام (1956) حدّثتني عن ذكريات طفولتها في البيت (عباس 13 أ) وعن ذكرياتها مع والدها إميل حبيبي.وجهينة رسّامة بصرية تعيش في مدينة الناصرة.
حدثتني قائلةً:”كان والدي حنوناً ويحبنا جداً. أذكر أنه كان دائماً يستعيد ذكريّاته وقصّصه علينا، وكنا نسمعها قبل أن يكتبها. فشخصيات قصصه استمدها من واقع الحياة مثلاً قصة:”عودة جبينة” فقد استوحى شخصية جبينة من أنيسة ابنة عمته عفيفة، وأنيسة زارتنا من المنفى وكانت جميلة جداً. وقصة أخرى كانت المُلهمة لكتابتها جدتي وردة التي تركتنا عبر بوابة مندلباوم في القدس، ورحلت لتعيش مع أولادها الذين التجأوا إلى دمشق نتيجة (حرب1948). والدليل الأول لهذه القصة كنت أنا وشقيقتي راوية، وذلك عندما سمِعَنا والدي ونحن نلعب الجدّة أم وديع تنوح على مصير ابنها نعيم..
مقطع من قصة الجدّة أُم وديع، وفي هذا المقطع يذكر موقعا في حارة عباس قريبا من البيت:
“لم تستطع أم وديع التغلب على الصدمة التي أصابتها في تلك الأيام، عُمرها أصبح وراءها، وأما الأكثرية من أولادها وأحفادها فقد أمسوا في ديار الغُربة. نزلت مرة إلى نادينا القديم في وادي النسناس، للاشتراك في اجتماعٍ لنساءٍ يهوديات وعربيات، كانت الأيام أيام معركة انتخابية، وكانت المُتكلمة اليهودية تُؤكد كفاحها من أجل حق اللاجئين في العودة، وإذ بأم وديع تقاطعها هل سيعود أولادي؟ فذهلت الخطيبة اليهودية المُجربة وأجابت: يعودون حين يتحقق السلام. كذب، صاحت أم وديع ابني إميل لا يكذب عليّ، أخبرني أن عودتهم ستستغرق، إذا تحققت، وقتاً طويلاً. وحينئذ إن لم أرهم في بيتي سأكون تحت التراب. ومنذ ذلك الاجتماع، ودون علمي، أصبحت تذهب وحدها سراً إلى رقعة في حديقة عباس القريبة لبيتنا، وتتكئ على صخرة تُظللُها شجرة من أشجار الزيتون، وتنوح وحيدة على حالها وحال أولادها الغائبين، خصوصاً على مصير ولدها الأصغر نعيم.يا نعيم أين أنت؟ وماذا جرى لكَ بعدي يا نعيم؟ولم أدرِ عن عادتها الجديدة هذه شيئاً حتى سمعتُ طفلتيّ الاثنتين وهما تلعبان الجدة أم وديع وتنوحان يا نعيم. وفي ذلك العام تركتنا الوالدة عبر بوابة مندلباوم للعيش مع أولادها الذين التجأوا إلى دمشق. وفي دمشق الشام لا في شفاعمرو أسلمت روحها إلى باريها. وأما أنت فتستطيع أن تبقى هُنا، فحياتك أمامك ويمكنك أن تنتظرهم، بهذه الكلمات ودّعتني الوالدة أم وديع حيث تركتنا في الجانب الإسرائيلي من بوابة مندلباوم،عدت إلى حيفا وكتبت قصتي الأولى في دولة إسرائيل، وكانت عن بوابة مندلباوم عام (1954) حيث بقيت حتى هذا اليوم. وما بقيت حياً لا أخال الوالدة إلا باقية معي، فإن الأمهات يمكثن في الأرض”. من: نص سراج الغولة، إميل حبيبي، (2006) – صدر بعد وفاته بعشرة أعوام.
وعن ذكريات طفولة أخرى في بيت (عباس 13 أ) استطردت جهينة قائلةً:”أذكر عندما كنت أنا وأصحابي نلعب سويةً في الحارة، كنا نصعد إلى جبل الزيتون القريب من بيتنا، والذي أصبح فيما بعد حديقة العجم (حديقة البهائيين). كنا نتعمشق على شجر الزيتون، نمسك بأرجلنا فرع الشجرة وندلّي رؤوسنا إلى الأسفل، ونشاهد معبد عباس، وأيضاً أذكر كيف كانت ورود الزنبق تنبت من البذور المتساقطة خارج سور حديقة المعبد، وكنا نقطف ورود الزنبق ونطير بها إلى البيت. وأذكر أيضا أننا كنا نقطف ونملا علبة صغيرة بحَبّ الزيتون من الجبل. وجدّتي وردة كانت أيضا تملا علبة صغيرة من ثمار الخروب وتعمل منها رُب الخروب. أذكر كيف بدأت أحب الرسم من خلال جارتي اليهودية رينا، التي لفتت نظري للموضوع، فنحن لم نتعلم موضوع الرسم في المدرسة. وعند إذن بدأت أرسم صور بنات يرتدين الفساتين. وصديقاتي البنات اللواتي لعبت معهن كنّ بنات عمتي ندى وهن سعاد ونجاة وشقيقهن توفيق وصديقتي عايدة الأشهب، التي ماتزال تسكن في الحي، ونحن ما زلنا صديقات حتى اليوم”.

إميل حبيبي في سطور:
لضيق حيّز رقعة الكتابة ارتأيت هذا التعريف عن شخصية الأديب إميل حبيبي.
ولد السياسي والصحافي والأديب إميل شكري حبيبي في 29 آب عام (1921) في مدينة حيفا،عاش وترعرع في المدينة حتى جيل (35) عاماً، وفي عام(1956) انتقل للعيش في مدينة الناصرة، وذلك بسبب تعيينه سكرتيرا للحزب الشيوعي في الناصرة. وعاش هناك حتى وفاته في 2أيار عام (1996)، وفي عام (1946) تزوج من السيدة ندى عبدالله جبران من مواليد مدينة رام الله وأنجبا، جهينة، راوية وسلام. وفي سن التاسعة عشر عمل مذيعاً في إذاعة القدس التابعة للانتداب البريطاني، وهذه الإذاعة تأسست عام 1936حتى عام 1948 وبقيت إسرائيل تبث على إحدى موجاتها وسمتها”صوت إسرائيل”. وفي عام (1946) عمل محرراً في إسبوعية “المهماز” وانضم كذلك في سن الرابعة عشر إلى (الحزب الشيوعي الفلسطيني) وفي عام (1943) كان من مؤسسي (عصبة التحرر الوطني)، وإميل من أطلق عليها هذا الاسم. بعد قيام الدولة كان ناشط لإعادة الوحدة للشيوعيين في إطار (الحزب الشيوعي الإسرائيلي) الذي كان أحد ممثليه في الكنيست،البرلمان الإسرائيلي، بين أعوام (1952-1972)، وبين أعوام (1972-1989) كان رئيس يومية “الاتحاد” في القدس،يافا وحيفا، وكان يكتب إفتتاحيتها تحت الاسم المستعار”جهينة”. وفي عام (1990) منحته منظمة التحرير الفلسطينية “وسام القدس” وهو أرفع وسام فلسطيني.وفي عام (1992) منحته إسرائيل “جائزة إسرائيل في الأدب” وهي أرفع جائزة أدبية تمنحها الدولة. وفي العام الأخير من حياته انشغل في إصدار مجلة أدبية اسمها “مشارف”، وفي عام (1989) استقال أو أقيل من كل وظائفه في الحزب الشيوعي، بما في ذلك رئاسة صحيفة “الاتحاد”،وذلك إثر انهيار المنظومة الاشتراكية، حيث أعاد إميل حبيبي النظر في بعض المسلّمات النظرية، مما سبب له خلافات فكرية وتنظيمية مع الحزب الشيوعي. وبقي عضواً في الحزب حتى عام (1991).
يعتبر إميل حبيبي من أهم الكتاب الفلسطينيين ومن أبرز كتبه:”سداسية الأيام الستة”(1969)، “الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل” (1974)، “لكع بن لكع” (1980)، ” إخطية” (1985)،”خرّافية سرايا بنت الغول” (1991). وقد طلب في وصيته أن يدفن في مدينته حيفا وأوصى أن

يُحفر على قبره إميل حبيبي – “باقٍ في حيفا”. كتابات إميل حبيبي مستوحاة من واقع حياته وحياة شعبه، وجغرافية المكان الذي عاش فيه.
وأنهي مقالي باقتباس مقطع من “خرّافية سرايا بنت الغول” والذي يصف فيه جغرافية جبل الكرمل الذي يقع بيته على منحدراته.
“فتظهر لي سرايا، ولا تظهر لي عينا سرايا إلاّ صافيتين صفاء عين الماء الكرملية التي التقيتها لأول مرة عندها. ولا أذكرهما إلاّ واسعتين حتى لم أرَ منها في اللقاء الأول سواهما: عينين مندهشتين مسبقاً بما تترقب أن تقع عليه من كائنات تعرب عن أعجوبة الحياة. فأخذتني بيدي وقالت: “شُف ألا ترى ماء هذه الصخرة؟”. قلت: ماء يرشح من تحت الصخرة”.
الوالدة- ام وديع, وردة حبيبي مع حفيداتها جهينة وراوية اميل حبيبي , واحفادها نجاة وسعاد وهالة وتوفيق ابناء الابنة ندى حبيبي عبود

بيت عباس 13 أ بيت إميل حبيبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *