ويستمرّ الإضراب..

مراسل حيفا نت | 05/05/2017

حكاية العدد
ويستمرّ الإضراب..
طارق عسراوي

“سلامٌ على جوعِكُمُ المُقاتل..
طوبى لكسرةِ الخبز،
الرّصاصة..”

– في الزّنزانة..
في تلك الزّنزانة الأرضيّة تختلّ قوانينُ الطّبيعةِ، حيث يخفُّ الجسد ويكاد يفلت من يد الجاذبيّة كما لو أنّه خارج الغلاف الجويّ!
يُحكِم السّجَّان إغلاق طاقة الباب الصّغيرة، المملّة، ويجلس خَلفَ الباب يسترقُ السمعَ لصوتِ الجسد الممتنع عن الطّعام منذ ثلاثة عشر يومًا.
يهبطُ الضّغط من سقف الزنزانة إلى الجسد الممدّد، فتتراءى له التّلال وهي تمسد أعشابها البريّة، وتبدو السّماءُ خفيضةً في متناول اليد، فيمدّ يده ليمسك غيمة طَرِيَّة ويفركها بأصابعه.
يصرخُ به وعيه المتحفّز خارج الأسوار: لا تفرُك عينيك بالملح!
عند الفجر، يقتحم السّجَّان الزنزانة ليفتّش عن الملح فيجدُ شمسًا مُشرِقة من جبينه المتعب وأعشابًا تغطي جفنيه المنسدلينِ من ثِقَل الجوع!
فيركل باب الزنزانة بقدمه مُحدِثًا دويًّا معدنيًّا حادًا وهو يصرخ: لم أُبقِ لك سوى فرشة قاتمة الحلم، فعلامَ تبتسم حين تنام؟!

– في المسيرة..
قضى خمسة عشر عامًا في الاعتقال، في كلّ يومٍ يخرج إلى السّاحة الصّغيرة المحاطة بأربعة جدران، تلك الساحة الواقعة في منتصف المعتقل، يمضي فيها الساعة ذهابًا وإيابًا تحت الشّمس علّها تطرد الرطوبة من عظامه قبل إرجاعه إلى زنزانته. اعتادَ عدَّ خطواته وهو يمشي ببطء (خطوة، اثنتين، ثلاثًا… خمس عشرة) ثم يستدير ويعود للجدار المقابل في خمس عشرة خطوة.
حين حرّرته المقاومة في صفقة تبادلٍ أسقطت عنه حكم المؤبّد بعد خمسة عشر عامًا، لم يستطع إدراك خطوته السّادسة عشرة، كان جسده يمتنع عن الخطوَ خطوة إضافيّة رغم محاولاته الحثيثة، فظلّ يمشي للأمام خمس عشرة خطوة ويعودها.. دون جدوى!
في المسيرة التي جابت المدينة إسنادًا للأسرى المضربين عن الطّعام منذ ثلاثة عشر يومًا، شوهد يسير في المدينة، متقدّمًا الصفوف، يهتفُ بحرقة، دون أن ترتدّ قدماهُ للخلف خطوة واحدة.

– في خيمة الاعتصام..
أمّهاتٌ لم يغادرنَ خيمة الاعتصام منذ الصباح، في كل ساعتين تقريبًا تتحرّك الجموع في مسيرة تجوب شوارع المدينة وتعود للخيمة، وهنَّ يعدنَ لمقاعدهنّ وبين أيديهنّ صور أبنائهنّ.
كانت السّاعة حوالي السّابعة مساءً حين ترجّل عروسان من سيّارة زفافهما وسارا صوب خيمة الاعتصام حين وقفت الأمّهات ترشّهما بالدّمع المخبّأ للقاء أبنائهنّ، وبالزّغاريد المؤجّلة لزفاف من غابوا وراء القيد.
13226662_10153985548380081_4999705674791132695_n

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *