“تقبيل الأرجل”!

مراسل حيفا نت | 04/05/2017

“تقبيل الأرجل”!
مطانس فرح

“بدون زعل…. بقولوا البوس على الأيدي ضحك على اللّحى.. طيب والبوس على الأرجل… شنو يقولوا عنّه…”؟!
لو لم يُذيّل هذا المنشور (پوست) العاميّ السّخيف، والمنضّد على صفحة إحدى “الصّديقات” الافتراضيّات الحيفاويّات عبر الـ”فيسبوك”، بصورة للبابا فرنسيس (رأس الكنيسة الكاثوليكيّة)، وهو ينحني ويقبّل قدم أحد الأشخاص؛ لما اضطررت، يوم السّبت الأخير، أن أعيره اهتمامًا، مثله مثل ألوف المنشورات الظّريفة والجِلفة الّتي “تزيّن” صفحات التّواصل الاجتماعيّ!
إنّ إرفاق صورة البابا فرنسيس، للمنشور أعلاه، وهو يقبّل رِجلَ أحد الأشخاص خلال طقس كنسيّ هامّ لدى المسيحيّين (“غسل الأرجل”)، تيمّنًا بالسّيّد المسيح وتقليدًا لفعله عندما انحنى أمام أرجل تلاميذه ليغسلها ويقبّلها بعد العشاء الأخير، محبّةً وتواضعًا؛ وتزامنًا مع زيارة البابا إلى مصر، جاء – عن غير قصدٍ، ربّما(؟!!) – مُهينًا ومُحقّرًا ومُستخفًّا؛ فاستفزّني جدًا، وأثار حفيظة عدد كبير من الأشخاص، الّذين غضبوا وعبّروا عن سخطهم ضمن تعليقات على المنشور، كانت لا تقلّ إهانةً وتحقيرًا، في بعض الحالات(!).
“والبوس على الأرجل..”، أيّتها “النّاشرة”، لم يأتِ من جرّاء الحقارة والخنوع والذّلّ، كما لم يأتِ من جرّاء النّفاق والخدعة والمداهنة، كما تتوهّمين.. إنّ تقبيل الأرجل بهذه الحالة، وفي الصّورة المرفقة للمنشور تحديدًا، يمثّل قمّة المعاني الإنسانيّة والرّوحانيّة، ويأتينا من مصدر استحكام للمحبّة والتّسامح والتّواضع.
إنّ زيارة البابا فرنسيس إلى مصر، بعد التّفجيرات في كنيسَتَيْ الإسكندريّة وطنطا، تختصر كلّ الكلمات.. جاء البابا هنا ليتحدّى العالم والإرهاب وخفافيش الظّلام، وليقهر العنصريّين والطّائفيّين والمبغضين والمحرّضين.. جاء حاملًا رسالة محبّة وأخوّة وصداقة، ليؤكّد أنّ مَن قام بهذه التّفجيرات هم طغمة حقيرة لا تمتّ إلى الإسلام بأيّ صلة، هدفها إثارة البلبلة والفتنة فقط.. جاء ليعانق ويحتضن ويصالح ويحب، جاء إلى العالم الإسلاميّ محاورًا وشريكًا، لا مخالفًا وخصمًا بغيضًا.
لم آتِ بمقالي هذا، أيّها القرّاء الأعزّة، للدّفاع عن البابا أو عن الدّيانة المسيحيّة؛ أردته دفاعًا عن وحدة الشّعب الواحد وأبناء البلد الواحد!
بعد التّهوّر والتّسرّع بإعلاء المنشور على الـ”فيسبوك”، احتدم النّقاش وأثيرت الخصم والمنازعات والتّطاولات وتمّ الإذلال برموز دينيّة مختلفة.. فقام عدد من المعقّبين والمعقّبات “المهوَّسين” والعنصريّين بالرّد على المنشور بشكل حقير وأهوَج فأساءوا إلى شخص النّبي (ص) والدّيانة الإسلاميّة، ما أحدث بلبلة وفتنة من على صفحة التّواصل الاجتماعيّ، كنّا نحن وأنتم في غنًى عنها.
وفي المقابل انتقد عدد من المتنوّرات والمتنوّرين المقرّبون إلى صاحبة الشّأن هذا النّشر، مؤكّدين على ضرورة احترام الآخر وعدم المسّ بأيّ ديانة.
وللأسف الشّديد، في زمنٍ مليء بالأقنعة والمظاهر الغاشّة، والتّباهي بتقبّل الآخر والانفتاح، تتحوّل منشورات بعضنا إلى بلاء اجتماعيّ خطِر قد يشعل النّيران ويثير الفتن. فالإنسان منّا لا يُقاس فقط بكلامه المعسول، إنّما بتصرّفاته وأعماله ومنشوراته، مؤخّرًا.
أنموذجات كثيرة نُشرت وتُنشر على عدد من صفحات التّواصل الاجتماعيّ (“فيسبوك”)، بصورة استفزازيّة، تحقيريّة، حاقدة وتعصبيّة، بحقّ الدّيانات المختلفة، تدفعني دائمًا، أنا الحيفاويّ الإنسانيّ، إلى القرقفة والانتفاض، خوفًا واضطّرابًا على مستقبل التّعايش الحيفاويّ، العربيّ – العربيّ الأخويّ الوحدويّ في هذه المدينة، الّتي بدأت تشتعل فيها نيران التّطرّف والطّائفيّة، نيران، قد تؤدّي على المدى القريب إلى حريق كبير يَصعُب إخماده!
دعونا نتكلّم في ما بيننا بالإنسانيّة، لا بالطّائفيّة العمياء، لقد بات التّطرّف ملموسًا، على أرض الواقع، رغم محاولات تجميل الصّورة هنا أو تحسينها هناك.
ولأنّي ابن فِلَسطين ومن مواليد حيفا، أخجل من وأبغض كلّ مَن يحاول التّفضيل والمقارنة بين الأديان، لأنّ حيفا الأصيلة وأهلها الأصلانيّون لم يربّوني على ذلك. ومع ذلك، يخرج بين الفينة والأخرى، بعض الزّاحفات والزّاحفين من عمق الأتربة الموحِلة بالتّفرقة والكراهيَة، ليفضحوا لنا خديعةَ أفكارهم الضَّحِلة ونفوسهم المعتلّة الّتي استحوذ عليها التّطرّف والتّمييز والحقد، ويتركوا غُصَصًا عدّة في وجدان وأفئدة المتيقّظين والإنسانيّين منّا، الحريصين على مدينة حيفا ووحدة أهلها العرب.
أتساءَل لِمَ وقَتت “الصّديقة” الافتراضيّة، إعلاء هذا المنشور، تزامنًا مع زيارة البابا إلى مصر؟! وما الهدف من وراء ذلك، ولِمَ تطاول الآخرون بردٍّ أسوأ وأشدّ إيلامًا.. فما هي الرّسالة الإنسانيّة السّامية الّتي تريدون إيصالها؟! لا أجد سببًا مقنعًا ومجديًا يدفع أيًّا منكم إلى نشر صورة أو إعلاء منشور أو تعقيب يمسّ بمشاعر وعقيدة الآخرين، ويؤدّي إلى التّفرقة؟! إلامَ سنصل؟! لا ينقصنا اقتتال طائفيّ وتطرّف دينيّ واستقطاب اجتماعي، وتشرذم وتقهقر! يكفينا ويكفيكم بُغض وكراهيَة؛ عيب عليكم؛ لن ندع أمثالكم تحوّل تعايشنا الأخويّ الحقيقيّ في مدينة حيفا إلى فوّهة بركانيّة قد يؤدّي ثورانها إلى انفجار كارثيّ لا تُحمد عُقباه.
من العيب أن يُقتصر تفكير بعضنا وتُرخّص نقاشاتنا لمشاحنات دينيّة. اِخجلوا من أنفسكم ومن تصرّفاتكم، لأنّنا نعيش زمنًا نحن في أمسّ الحاجة فيه إلى الوحدة.
مطانس فرح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *