هم فقط يرحلون! (إلى باسل الأعرج)

مراسل حيفا نت | 10/03/2017

هم فقط يرحلون!
(إلى باسل الأعرج)

سمير بوسلحة
غسّان كنفاني، وائل زعيتر، كمال عدوان، كمال ناصر، ناجي العلي، راشد حسين، حنّا مقبل، باسل الأعرج… وتطول القائمة، قائمة أولئك الّذين طرق الموت أبوابهم وما ماتوا، بالدّم نسجوا لحن حكايتهم وتواروا عن الأنظار. ورثونا جراهم وأوجاعهم وراحوا يعزفون ما بقي من أمانيهم وينثرون ما بقي من عمرهم الجميل هناك، حيث لا ضجيج في وطنهم الآخر والأخير.
هكذا هي إسرائيل تختار ضحاياها بدقّة، وهكذا هي فِلَسطين تختار عرسانها بدقّة أكبر، تتفنّن في إغوائهم وردّهم إليها ردًّا جميلًا ، تختارهم رموزًا يستعصون على النّسيان كزيتون يستعصى على الهوان والموت خلودهم وحياتهم الباقية. وهكذا هو آذار شهر الجمال والمرأة، شهر درويش والثّقافة، شهر الأقحوان وشقائق النّعمان وشهرك يا باسل.. فهنيئًا له بك وهنيئًا لك كلّ هذا الرّثاء الجميل وإن كان مثلك لا يرثى وهنيئًا لك الرّجوع الجميل إلى قدرك الجميل فليس مقدّرًا لكلّنا الشّهادة والحياة من جديد من رحم الموت اللّعين. لم تدّخر إسرائيل جهدًا في ملاحقة العقل الفلسطيني منذ بداية الاحتلال من تصفيات جسديّة واعتقالات وإغلاق للصّحف والمجلّات والإذاعات، وحافل تاريخ إسرائيل باغتيالات وتصفيات الرّموز الثّقافيّة الفلسطينيّة، وذلك لأثرهم على تشكّل الوعي الفلسطيني وتنوير الرّأي العام المحلّي والعالمي. في محاولة بائسة لإسكات صوت الكلمة، وليس باسل الأعرج بآخر هؤلاء.
أيّها المثقّف المشتبك كيف سنؤبّنك؟ هل سيفيك حقّك نظم من الشّعر أو نثر من الخطب؟ يا هاربًا من أساطير الأوّلين وماضيًا إليها، ما حكايتك مع آذار الّذي أخذك منّا مرّتين، الأولى إلى سجون سلطة تتفنّن فقط في إذلال أبنائها، والثّانية حين منحك الاحتلال عمرًا لا يفنى إذ أرداك شهيدًا. ترى بماذا ستفاجئنا آذار القادم، ماذا سنقول لتلك الكتب التي رحلت بين أحضانها وتلك الحروف والكلمات التي كنت مؤنسها في وحشتها وغربتها وهي الشّاهد الوحيد على بسالتك وجبننا وإنسانيّتنا العرجاء.
لم تكن من أصحاب اليمين كما لم تكن من أصحاب الشّمال، لم تكن من المخصيّين كما لم تكن من الغلمان، بوصلتك فلسطين ودربك نهج المقاومين، حزبك دائمًا وأبدًا “قاوم ثمّ قاوم ثمّ قاوم”، فليس يفصلك عن النّصر الكبير غير صرخة شهيد وبعض أغلال العبيد. ما أعظمك حيًّا وما أجملك راحلًا عنّا وساكنًا فينا، منذ سنين انقضت وأنت تتأمّل كلّ وصايا الشّهداء والرّاحلين التي كتبوها في غفلة عنّا ومنّا، ولطالما حيّرتك تلك الوصايا. وها نحن الآن تحيّرنا بوصيّتك وتلبسنا وجع الحسرة من جديد ذلك الوجع الذي يعرّينا خجلًا أمام ذواتنا المهووسة بتقبيح كلّ جميل في أوطان مهزومة أمام أحلام من ورق وأعداء من غبار، وثانيًا أمام ذكرى الرّاحلين في زحمة هذا الزمن الموبوء بالخيانات الكبيرة والصّغيرة. وقبل أن أسلّم نفسي لوجع شهيد آخر، أصرخ لوحدي في انتظار الآخرين، مثلكم لا يموتون.. أنتم فقط ترحلون.
(الشّلف/ الجزائر)
ללא שם

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *