المئات في عرض احتفاليّ مُبهر للمسرحيّة الاستعراضيّة “حوض النّعنع”

مراسل حيفا نت | 02/12/2016

بعد مرور عقدين من الزّمن
المئات في عرض احتفاليّ مُبهر للمسرحيّة الاستعراضيّة “حوض النّعنع”
مطانس فرح
بعيدًا عن دخان الحرائق، وعن الأجواء التّحريضيّة العنصريّة المُغرِضَة، الملوِّثَة والمُقبِّحَة لكلّ صورنا الجميلة؛ دخلت، يوم السّبت الأخير، قاعة “الأوديتوريوم” في كرملنا الحيفاويّ المُتجبّر الشّامخ، هربًا من واقع مرير، لأشاهد أجمل اللّوحات الاستعراضيّة وأحلاها في عرض لإبداعيّة “حوض النّعنع”؛ هذا العرض الّذي جمَّل مساءَنا ولوّن نهاية أسبوعنا، وشحننا بطاقات إيجابيّة جيّدة وألهبنا كلمعان البرق، فرحًا وغبطةً وحماسةً، في وقت عملت فيه الطّاقات الكهربائيّة السّاكنة على إلهاب وإهاجة النّيران!
عادت إلينا فرقة “سلمى” للفنون الاستعراضيّة، بعد مُضيّ عشرين عامًا على باكورة عروضها لإبداعيّة “حوض النّعنع”، حاملةً في جعبتها عملًا فنّيًّا راقيًا ومتكاملًا، جمع بين الموسيقى والكلام والحركة، بين التّمثيل والرّقص والتّعبير والدّبكة، ليعبّر لنا عن فحوى قصّة اجتماعيّة سياسيّة، تعكس جوانب عامّة وهامّة في مجتمعنا العربيّ، بشكل مميّز، حيث إنّ المشاهد الكوميديّة في هذا العمل الاستعراضيّ، والّذي يحكي عن الأرض والغربة والوطن.. وهذا الإدماج المُبهر ما بين اللّوحات الفنّيّة الرّاقصة والتّمثيل، أضفت بصمةً فنيّة دامغة لفريال خشيبون، الّتي رافقت هذا العمل، وأكّدت من خلاله أنّ مَن يقف وراءَه مِهْنيّون وفنّانون.
ابتدأ العرض بلوحة فنّيّة راقصة لفرقة “سلمى” للفنون الاستعراضيّة، واستمرّ على مدار ساعة ونصف السّاعة تقريبًا، مازجًا ما بين الموسيقى، الغناء، اللّوحات الفنّيّة الرّاقصة، والتّمثيل الحِرَفيّ. تمايلت خلال العرض الفنّيّ أجساد الرّاقصات والرّاقصين على أنغام الموسيقى، لترسم لنا صورًا فنّيّة جميلة، وتصوّر لوحات إبداعيّة – شرقيّة وغربيّة – متنوّعة وراقصة، بأداء استعراضيّ راقٍ، ينمّ عن حِرفيّة ومِهْنيّة، ويظهر تناغمًا وانسجامًا بين أعضاء فرقة “سلمى” الاستعراضيّة.
أزيدَ من خمسين راقصةً وراقصًا، من مختلف الأعمار والأطياف، أدَّوا عرضًا فنّيًّا مُبهرًا، فأحيوا المسرح وطوّعوه، فملأوا الحيّز وجمّلوه. تميّزوا بالمَهمّة فعلًا.. رقصوا، دبكوا، تمايلوا، انسجموا.. فانسجم وتمايل معهم، أيضًا، الجمهور الذي ملأ القاعة.
تطرح إبداعيّة “حوض النّعنع” موضوعًا اجتماعيًّا عن الغربة والاغتراب، وتعكس جوانب هامّة من حياة مجتمعنا العربيّ، وتطرح بعض مشاكل شبابنا وهجرتهم إلى الخارج وزواجهم بأجنبيّات، وعن أهميّة البقاء في الوطن والتشبّث بالأرض؛ من خلال مشاهد تمثيليّة جِديّة (دراميّة) وساخرة (كوميديّة) تتداخل معها اللّوحات الرّاقصة والموسيقى والدّبكات، لتعبّر هي الأخرى – بطريقة استعراضيّة وأدائيّة رائعة – عن فحوى هذا العمل الفنّيّ من مجابهة وفراق، غربة وعودة، بقاء واغتراب. وبالفعل حاكت اللّوحات الفنّيّة الرّاقصة الحضور، تمامًا كما حاكته المشاهد التّمثيليّة.. فالإدماج والمَزج ما بين الرّقص الاحترافيّ بأنواعه والتّمثيل الجيّد، أعطانا – كما عوّدتنا فرقة “سلمى” الاستعراضيّة أن تعطينا – صورًا جماليّة ولوحات إبداعيّة، تكمّل إحداها الأخرى، لتجمّل العمل وترقى به.
رغم أنّ “حوض النّعنع” ليس عملًا فنّيًّا جديدًا، فجاءنا احتفاليًّا لسبب مُضيّ عشرين عامًا على إطلاقه بحلّة جديدة ومُستحدثة وطاقات متجدّدة، فألهب المشاهدين من جديد، وخصوصًا أولئك الّذين لم يتسنَّ لهم مشاهدته من قبل.
وإن تركت فرقة “سلمى” للفنون الاستعراضيّة في “حوض النعنع” بصمتها الفنّيّة، بتقديمها لوحات راقصة أدمجت بين الماضي والحاضر، تمازجت فيها الأصالة والحداثة، فالتّمثيل في هذا العمل الفنّيّ كان له دور هامّ جدًّا. وهنا لا بدّ لي أن أقف عند الممثّلَين الّذين أبدعوا وأثروا العمل، وجسّدوا أدوارهم بإتقان، فأضفوا على شخصيّتهم روحهم ولمستهم الفنّيّة، فكمّل أحدهم الآخر واكتمل معهم وبهم العمل التّمثيليّ.
تميّز الفنّان الشّامل، متعدّد المواهب ولاء سبيت (عاصي)، فسطع نجمه عاليًا لامعًا في هذا العمل. فالشّابّ الفنّان ولاء سبيت بأدائه دور الابن (عاصي) في “حوض النّعنع”.. جسّد شخصيّة عاصي بنكهة فنّيّة خاصّة، فارضًا شخصيّته وتاركًا بصمته الفنّيّة على شخصيّة عاصي. فقد مزج سبيت ما بين فنّ التّمثيل والرّقص والحركة، ليرينا أنّه يختزن طاقة فنّيّة باستطاعته أن يحوّلها إلى عمل مميّز على المسرح. فهو فنّان متنوّع جامع، له قدرة بارعة على الإدماج ما بين التّمثيل والرّقص والغناء والحركة “الاستعراضيّة”، وهذه الأمور قلّما ما تجتمع وتجدها في شخص واحد، بشكلٍ فنّيّ راقٍ..
وبرز الفنّان المسرحيّ المتألّق، إياد شيتي (غسّان)، فكان له دور رئيس في إنجاح هذا العمل التّمثيليّ، فمن خلال شخصيّة غسّان الّتي جسّدها وتأديته لهذا الدور، أكّد لنا، مجدّدًا، أنّه فنّان مُبدع، يستطيع الإبداع والتّميّز بأيّ دور يؤدّيه – كوميديًّا كان أو تراجيديًّا أو دراميًّا – فهو من الفنّانين الّذين ينوّعون في التّمثيل ولا “يقولبون” أنفسهم في قالب تمثيليّ واحد، وهنا يبرز تفردّه وتميّزه. لعب إياد شيتي دورًا رئيسًا، فعلًا، في هذا العمل وشكّل مع ولاء “ثنائيًّا” تمثيليًّا مميّزًا وخاصًّا؛ أمتَعنا إياد بتمثيله، أضحكنا، وشدّنا، ودفعنا إلى انتظار إطلالته بين مشهد وآخر.
أمّا الفنّانة الكوميديّة الرّائعة رنين بشارات – اِسكندر، فقدّمت دور (أم عاصي) بنكهةٍ كوميديّة فكاهيّة لافتة، بكلّ شفافيّة وانسيابيّة وخفّة ظلّ، فدمغت العمل ببصمتها الفنيّة الخاصّة، لتزيّنه وتزيده رونقًا وترسم الابتسامات على وجوه الحضور، لتؤكّد، من جديد، أنّها في كلّ عملٍ – وإن أعادت تمثيله – تتحدّى نفسها دومًا، وتقدّم لنا الأفضل. لتتقن دور الأم الحنون التي تحافظ على شعرة معاوية، ما بين الجديّة والمِزاح والجَزر والمَدّ.
وقد استطاع الفنّان الشّامل، الإيمائيّ والصّاخب، الممثّل المخضرم سعيد سلامة (أبو عاصي)، تجسيد شخصيّة أبي عاصي – بخلاف شخصيّة أم عاصي – بكلّ جِديّةٍ، وصلابة، قَلِقًا قلق الوالد على مستقبل ابنه وأرضه. فتمرّس بدور الأب وأتقنه، وجسّده بشخصيّته الفنيّة الخاصّة.
إنّه عمل فنّيّ متكامل.. يقف وراء هذا النّجاح والعمل الاستعراضيّ الرّائع على مدار عشرين عامًا طاقم كبير، وعلى رأس هذا الطّاقم تتربّع الفنّانة الشّاملة فريال خشيبون، الّتي وُلدت لتُبدع وتُتحفنا بأجمل اللّوحات والصّور الفنيّة.
إبداعيّة “حوض النعنع” – تأليف: الكاتب محمّد علي طه؛ تمثيل: سعيد سلامة (أبو عاصي)، رنين بشارات – إسكندر (أمّ عاصي)، ولاء سبيت (عاصي)، إياد شيتي (غسّان)؛ رقص: فرقة “سلمى” للفنون الاستعراضيّة؛ تصميم الرّقصات والأزياء: مؤسّسة ومدرّبة الفرقة، الفنّانة الشّاملة فريال خشيبون؛ عمل على إخراج العمل الفنّيّ من وراء الكواليس: الفنّان المُرهف الحسّ والمميّز إلياس مطر.
ولتعذّر حضورها، أطلّت علينا في بداية العرض الاحتفاليّ، عبر الـ”سكايپ”، الدّكتورة الفنّانة المتألّقة سلمى حبيب خشيبون، لتفاجئنا وتشاركنا هذا الاحتفال المميّز. وقد بدا التّأثّر واضحًا عليها، فبكت وأبكت الحضور، حيث كانت تلقائيّة وعفويّة وصادقة ومحبّة إلى أبعد الحدود. وفي نهاية العرض الاحتفاليّ، وبحضور رئيس لجنة المتابعة، محمّد بركة، ورئيس القائمة المشتركة النّائب أيمن عودة، والكاتب محمّد علي طه، وعدد كبير من الفنّانين والممثّلين وشخصيّات اعتباريّة واجتماعيّة من كافّة أقطار البلاد، تمّ تكريم مؤلّف المسرحيّة ونخبة من الممثّلين والفنّانين والرّاقصين الّذين شاركوا في إبداعيّة “حوض النّعنع” على مدار عشرين عامًا، منذ عرضها الأوّل على خشبة المسرح، قبل أن تجول كافّة أنحاء البلاد وكبرى العواصم العربيّة والدّوليّة، حيث وزّعت عليهم الورود إلى جانب كتاب يوثّق بالصّور والكلام إبداعيّة “حوض النّعنع” على مدار عقدين من الزّمن. كما تمّ الاحتفاء بصاحبة هذا الإبداع ومؤسّسة فرقة “سلمى” للفنون الاستعراضيّة، المتألّقة والمميّزة والمتجدّدة، فريال خشيبون.
نعم.. سنبقى في وطننا صامدين مهما قست الظّروف، حتّى لو بقي لنا في هذه الأرض “حوض نعنع”!
%d8%ad%d9%88%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b9%d9%86%d8%b9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *