مكتبة المنارة الصوتيّة العالمية تنير عالم المكفوفين

مراسل حيفا نت | 28/08/2016

المحامي عبّاس عبّاس، مؤسس مكتبة المنارة الصّوتية العالميّة
مكتبة المنارة الصوتيّة العالمية تنير عالم المكفوفين

لقاء مع نايف خوري
المحامي عبّاس صدقي عبّاس، ولد في الناصرة، وهو الابن الأصغر في أسرة مكوّنة من أربعة إخوة وأختين، والده المحامي صدقي عبّاس، تلميذ محامي الأرض حنا نقارة، غرس في أبنائه حبّ العلم. وكان التّعليم قيمة عليا في الأسرة، أنهى دراسته الابتدائيّة في مدرسة الواصفية والثّانوية في المطران، ثم درس الحقوق في الجامعة العبريّة في القدس وحصل على اللّقبين الأوّل والثّاني في الحقوق، وتخصّص في مجال حقوق الإنسان، وكتب أطروحته بعنوان “الحقوق الجمعيّة للأقليّة الفلسطينيّة في مجال التّعليم”. كما يحمل عبّاس لقب الماجستير في إدارة الأعمال بتخصص في إدارة مؤسسات غير ربحيّة من جامعة حيفا، ومؤخّرًا أحرز شهادة خبير إتاحة من جامعة تل أبيب. المحامي عبّاس إنسان مع إعاقة بصريّة شديدة.

– كيف انتقلت من باحث أكاديمي إلى مبادر اجتماعي؟
كنت منهمكًا بكتابة أطروحة الماجستير في الحقوق، وإذ بصديق يتّصل بي قائلًا إنّه رأى إعلانًا لوظيفة شاغرة في جمعيّة حقوق المواطن في القدس. وتقدمت للوظيفة دون أن أذكر في السيرة الذاتية بأنّه لدي إعاقة بصريّة، فاتصلوا بي وهم يرحّبون بتوجهي إليهم، وحدّدنا موعدًا للمقابلة الشخصية، ولكن هناك اكتشفوا إعاقتي البصريّة، وصدمت من فتور معاملتهم وكأنّهم أصيبوا بخيبة أمل، ورفضوني لاعتبارات واهية. فتخيّل هذه المفارقة أن مؤسّسة حقوق المواطن لا تضمن حقوق المواطن. وللحقيقة كانت هذه خيبة أمل لي شخصيًا، ممّا حدا بي للانعطاف من المسار الأكاديمي إلى المبادرات الاجتماعيّة.

– كيف أسّست “المنارة”؟
عدت إلى الناصرة متحدّيًا إرادة والدي الذي ألح علي بمتابعة دراساتي العليا وأنا كنت مؤمنًا أنّ مساري الأمثل هو التّغيير الاجتماعي. وللصدفة اتصلت بي الإعلاميّة الإذاعيّة المعروفة سوزان دبيني وطلبت مقابلتي في برنامجها الإذاعي “تعالوا نحكي بصراحة”. ووجدت نفسي أعلن عن فكرتي بتأسيس المنارة لدعم ذوي الإعاقات، لأنّ شريحة كبيرة من مجتمعنا تعاني من هضم الحقوق والإجحاف، وعدم تمكّنها من التقدّم، وهم ذوو القدرات الخاصة. فالمجتمع يتعامل مع هؤلاء من منطلق الفوقيّة والاستخفاف وقلّة الاحترام وعدم القدرة على تصريف شؤونهم. وتلقّيت العديد من المكالمات التشجيعيّة من المستمعين بعد بث البرنامج الإذاعي، وهكذا أدركت أنّ طموحي واسع، وبعيد المدى.

– أنت انطلقت بمجهودك الذّاتي لتثبت أنّ ذوي الإعاقة، هم أصحاب قدرات خاصّة، ولا يشكّلون عالة على المجتمع.
بالضّبط؛ لأنّنا نعلم كلّنا أن المجتمع أصم في بعض الأحيان حيال شريحة ذوي القدرات الخاصة. وهكذا اجتمعنا، نفر من الأكاديميين من جامعة حيفا، بمساعدة صديقي المحامي شادي خوري، وفي 24.5.2005 أعلنّا عن تأسيس المنارة كجمعيّة رسمية تعنى بثلاثة أهداف: أوّلها توعية المجتمع لكل قضايا ذوي القدرات الخاصّة، وتغيير الآراء المسبقة نحوهم، وثانيها تمكين وتعزيز مكانة هذه الشريحة، وثالثها الدفاع عن حقوقهم، ومناصرتهم لتحصيل حقوقهم أمام الجهات الرسمية، على كافّة المستويات، المحليّة والعالميّة.

– إنّ محاولتك لإثبات نفسك جعلتك تتغلّب على مشكلة الإعاقة. فماذا تقول لأمثالك؟
صحيح. إنّ الإنسان يجب أن ينطلق من إرادته هو، وهكذا نبدأ من الذات لأنّنا يجب أن نقلب الإعاقات الموجودة، والتي نعترف بها ولا نتنكّر لها، إلى قدرات. فيرى الناس قدراتنا وطاقتنا وليس الإعاقة التي فينا.

– واليوم، أين وصلت المنارة بمشاريعها؟
على صعيد المنارة كجمعيّة، نحن نجدها من الجمعيات الرائدة في المجتمع العربي، في مجال تعزيز ورفع مكانة ذوي القدرات الخاصّة. كما أنّها الوحيدة في البلاد، وربما في الشّرق الأوسط التي حصلت على وسام مستشار خاص من الأمم المتّحدة وعضو في منظمة ECOSOC للتطوير الاجتماعي والاقتصادي، ونحن بصدد الانضمام إلى منظّمة اليونسكو، وسنقيم نادي اليونسكو كأوّل فرع لهذه المنظّمة الدوليّة في البلاد.

– إنّكم تنظّمون دورات مختلفة لذوي الإعاقات..
نعم لدينا عدّة دورات لذوي الإعاقات مثل دورة البسيخومتري، وأخرى لتعليم اللّغتين العبريّة والإنجليزيّة، ومركز حاسوب، ومجموعة قياديّة من ذوي القدرات الخاصّة الأكاديميّين، وهم ينظّمون ورشات في المدارس العربيّة من الشمال وحتى النقب بعنوان “تقبّل الآخر”.

– هل تقدّمون خدماتكم لذوي الإعاقات البصريّة فقط أم لآخرين أيضًا؟
نحن بدأنا بالإعاقات البصريّة ولكنّنا اليوم نخدم جمهورًا أوسع كالإعاقات السمعيّة والجسديّة. أما ذوي الإعاقات العقليّة والنفسيّة فلا يمكننا خدمتهم لأنّهم بحاجة إلى عناية علاجيّة، ونحن نخدمهم بمجال الدفاع عن الحقوق.

– وكيف تأسّست مكتبة المنارة؟
كنت أعجز عن قراءة القصص والروايات في مرحلة الثانويّة، ابتاع لي والدي جهازًا لتكبير الحروف، ومن ثم أخذ والدي يقرأ لي وكذلك إخوتي والأقارب. وخلال دراستي الجامعيّة قيل لي بإمكاني الانضمام إلى مكتبة المكفوفين التابعة للكونغرس الأمريكي، وهكذا أخذت أحصل على كتب مسجّلة على كاسيتات، وقرّرت أن يكون لدينا مشروع كهذا باللّغة العربية. وسافرت إلى نتانيا لزيارة مكتبة للمكفوفين هناك باللّغة العبريّة، ورأيت أنّ لديهم بعض الكتب القليلة جدًا بالعربيّة وبجودة متدنّية. ولم يكن لدينا شيء يذكر بالعربيّة.

– وكيف كانت البداية؟
إنّ إقامة مكتبة ملائمة لذوي القدرات الخاصّة كانت حلمًا يراودنا منذ تأسيس الجمعية، وبعد نشاط مستمر حتى 2010 بدأت الفكرة تتبلور وتتّضح معالمها، وشرعنا ببناء أستوديو صغير الذي أصبح نواة للمشروع الكبير. وأخذنا نسجّل بعض قصص الأطفال بصوت المذيعة سوزان دبيني والإعلاميّة ربى ورور بشكل تطوّعي. وتلاها قصص أخرى بأصوات عدد من المذيعين المعروفين، ثمّ قمنا بحفظ القصص وسائر المؤلّفات على أقراص ووزّعناها على طلاب مدرسة “كرم الصّاحب”، المدرسة العربية الوحيدة للمكفوفين في الناصرة. وهكذا تطوّرت الفكرة إلى تقنيّات أكبر حتى وصلنا إلى موقع مكتبة المنارة الصّوتية العالميّة على شبكة الإنترنت www.arabcast.org وتطبيق الهواتف الذكيّة “مكتبة المنارة”.

– هذا مشروع بحاجة إلى موارد.
بالتّأكيد؛ فقد احترنا من أين يمكننا الحصول على هذه الموارد. ولكن في عام 2010 أقمنا حفلًا خيريًا، قدّمت فيه الفنانة دلال أبو آمنة، مشكورة، ريع هذا الحفل لبناء أستوديو صغير عندنا، وفي العام التالي أقمنا حفلًا خيريًا آخر قدّمه الفنان عدي خليفة، ووسّعنا الأستوديو أكثر وفي 2014 تواصلنا مع صندوق التّعاون الذي قدّم لنا منحة مكّنتنا من تطوير الأستوديو أكثر وأكثر، وبناء موقع مكتبة المنارة الصّوتية العالميّة على شبكة الإنترنت كما ذكرت سابقًا، وتطبيق الهواتف الذكيّة “مكتبة المنارة”. وفي 2015 تواصلنا مع وزارة الثّقافة في البلاد وطلبنا تخصيص ميزانيّة لنا، وهكذا تمّ الاعتراف بمكتبة المنارة الصّوتيّة العالميّة كمكتبة جماهيريّة رسميّة.

– هذا يقتضي الانتقال إلى مكان أوسع ممّا لديكم..
فعلًا، نحن بصدد التّعاقد مع مكتب كبير يتّسع لكافّة مشاريعنا الحاليّة والمستقبليّة، حيث سنقيم ثلاثة استوديوهات لنتمكّن من تسجيل أكبر كميّة من المؤلّفات باللغة العربيّة.

– مَن يقرأ لكم القصص والمؤلّفات؟
تعاقدنا مع مجموعة من القرّاء في العالم العربي وفي البلاد عندنا وهم يزوّدوننا بالمواد الصّوتيّة، ولدينا قرّاء من غزة والضّفة الغربية، تقنيي صوت وقراء من مصر، قراء من سوريا، الأردن، الإمارات ومن بلادنا سجل عدد من المذيعين والقرّاء بأصواتهم عددًا من المؤلّفات. ووسّعنا طاقم المكتبة عام 2015 بإضافة موظّفين يعملون براتب. والمكتبة موجودة على موقع الإنترنت.

– مَن يدخل إلى مكاتبكم لا يجد أي كتب أو مؤلّفات على الرفوف.
بالتّأكيد، فكلّ ما لدينا يجده الجمهور في الفضاء الإلكتروني عن طريق الدخول إلى الموقع بواسطة الحاسوب أو تطبيق الهواتف الذكيّة، لأنّه ليس لدينا كتب ورقية بل هي مسجّلة صوتيًا بجودة وتقنيّة عالية.

– كم يبلغ عدد هذه المؤلفات حتّى الآن؟
أصبح لدينا أكثر من 3500 إصدار صوتي، لمؤلّفات متنوّعة، تبدأ من قصص الأطفال المختلفة حسب الفئات العمريّة. والأدب كالروايات العربيّة الطويلة لمؤلفين مثل نجيب محفوظ، إبراهيم نصر الله، وربعي المدهون، والروايات المُترجمة من الأدب العالمي. والشّعر المحلي والعالمي يحظى بقسط وفير من القراءات. والبرامج الإذاعيّة الأدبيّة. وزاوية أخرى هي التنميّة البشريّة، التي تجسّد واقعَ ولسان حال المنارة ورؤياها.

– مَن هو جمهور المستفيدين من مكتبة المنارة وخدمات الجمعيّة؟
يشهد موقعنا إقبالًا كبيرًا، فقد أصبح لدينا أكثر من 15 ألف عضو مسجّل في المكتبة، من كلّ أنحاء العالم. وأكبر نسبة هي من مصر، فالسّعودية والأردن وفلسطين، وأسبوعيًّا يزور المكتبة حوالي 20 ألف زائر. وقد اتّصلت بنا إحدى السيّدات من الخارج وقالت إنّها أرملة سورية، نزحت إلى النرويج مع أولادها الثّلاثة الذين يعانون من الإعاقة البصريّة، فوجدت في مكتبة المنارة عاملًا مساعدًا كي تخفّف عن أولادها معاناتهم، وهم يستمعون على الدّوام إلى القصص المسجّلة في المنارة. ونحن اليوم بصدد حملة كبيرة لنشر المكتبة ليس فقط عند ذوي الإعاقات بل في أوساط المجتمع كلّه.

– كيف يتمّ اختيار الإصدارات المسجّلة في مكتبة المنارة؟
سؤال وجيه، فقد التأمت لجنة البرامج واختيار المؤلّفات، وهم مجموعة من المختصّين، الذين يختارون على أساس المؤلّفات والأدباء الأكثر شهرة أوّلًا، ونحن نسجّل كل المؤلّفات التي حازت على جوائز أدبيّة عالميّة كجائزة البوكر وغيرها. وعندنا مؤلّفات تربويّة للأطفال، والفلسفة والسياسة وعلم النفس والتعليم. ولدينا عدد من المتطوعين الأجانب الذين يقرأون بلغاتهم كالإنجليزيّة أو الفرنسيّة.

– ما هي مشاريعكم المستقبليّة؟
نحن نطمح ليصبح لدينا 10 آلاف إصدار، وخصوصًا إصدارات ذات نوعيّة وقيمة أدبيّة رفيعة. والمقصود بالأعمال العالميّة والمحليّة على حد سواء. وما يشجعنا هو ترحيب الجمهور والإقبال الشّديد على إصدارتنا. وأورد هنا ما حدث لي قبل أسبوع، فقد اتّصلت بنا إحدى السيّدات، وبالصّدفة أنا رفعت السّماعة وليس السكرتيرة، وإذ بها تقول إنّها ممرّضة من منطقة المثلث، ونتيجة لمرض خطير تدهور بصرها وأصبح ضعيفًا جدًا، وهي تريد أن تشكرنا لوجود مكتبة المنارة، وهي تحلم بالحديث مع المسؤولين عن المكتبة، فقلت لها يا أخت لقد وصلت وأنت تتحدّثين مع مدير المنارة، فذهلت المرأة وأخذت تبكي، وتقول إنّها بسبب المنارة عدلت عن فكرة الانتحار التي راودتها كثيرًا، وفقدت الأمل بالحياة، لكن المنارة جعلتها ترى النّور في نهاية النفق، وهي تستمع لإصدارات مكتبة المنارة يوميًّا، وتقضي كل الوقت بالاستماع إلى الكتب المتنوّعة وتستفيد من خدماتنا.

– نشكرك شكرًا جزيلًا، ونتمنّى لكم التّوفيق.
نأمل أن يستفيد الجميع من خدماتنا، وخاصّة مكتبتنا.
unnamed (10)

unnamed (11)

unnamed (12)

unnamed (14)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *