مجتمع فوضويّ مُبدع!

مطانس فرح | 28/08/2016

مطانس فرح
أظهرت بعض الدّراسات والأبحاث العلميّة الأخيرة – بخلاف ما كان يُفترَض – أنّ الشّخص الفوضويّ أكثر إبداعًا وانفتاحًا وتميّزًا من الشّخص النّظاميّ. وقد كشفت الدّراسات أنّ الأشخاص الفوضويّين والمنظّمين يملكون العدد نفسه من الأفكار الدّقيقة والتبصّرات، غير أنّ الأشخاص الّذين يعملون في بيئة فوضويّة غير منظّمة، يميلون أكثر إلى الإبداع والتّميّز. حيث أظهر المشاركون في هذه الدّراسات، والّذين عملوا في نطاق غرف تعمّها الفوضى، انفتاحًا وتحرّرًا في أسلوب تفكيرهم، محاولين خلق وابتداع أشياء جديدة، والجلاء بأفكار إبداعيّة خلّاقة، غير مسبوقة. في حين أنّ الأشخاص الّذين عملوا في غرف مرتّبة ونظيفة كانوا أكثر انتقاءً للأشياء الرّوتينيّة الصّحيحة المعمول بها؛ فساروا وَفق مِنهج حصيف سليم، إلّا أنّهم كانوا أقّل إبداعًا وإنتاجًا ذهنيًّا في اتّخاذ قراراتهم.
وخلصت الدّراسات إلى أنّ الفوضويّة واللّا-ترتيب تساعدان على التّفكير الخلّاق الإبداعيّ المُبتكِر؛ إذ إنّ الفوضى والنّظام جانبان نفسيّان في شخصيّة الفرد، يعكسان طريقة تفكيره ونظرته إلى الحياة، وأنّ الّذين يعملون في غرفٍ “فوضويّة”، هم غالبًا أكثر إبداعًا، ويملكون قدرةً على تحمّل المخاطر والمستجدّات؛ بينما الّذين يحافظون على غرفهم نظيفة ومرتّبة ويتّبعون قواعد صارمة في مكاتبهم، غالبًا ما يميلون إلى التّفكير التقليديّ ولا يخاطرون بأيّ دُربةٍ جديدة.
وتكون الدّراسة بذلك، قد “برّأت” ساحة الفوضويّين من الإخفاق والكسل والتّقصير الّذين يُتّهمون بهم زورًا وبُهتانًا، حيث أظهرت أنّ الفوضويّة دلالة على الذّكاء والإبداع، لكن بطريقة مختلفة عمّا يظنّه الآخرون، وأكّدت أنّهم يملكون أفكارًا دقيقة ضامرة يترجمونها عمليًّا بإبداع غير مسبوق. لتُظهر الدّراسة، في المحصّلة، أنّ إبداع الفرد يلزَمه القليل من الفوضى!
وبما أنّ مجتمعنا العربيّ يعجّ بالفوضى والفوضويّين، نلمس لدى بعض أفراده “إبداعات” تفوق الواقع وتقهر الخيال..! فنغفو في مجتمعنا على ظلمٍ وفسادٍ وتخلّفٍ وعنفٍ وبطشٍ، لنصحو من كابوسنا اللّيليّ على جرائم قتل نساء وشباب وتصفية حسابات.. مجتمع فوضويّ مُبدع في النّفاق والتلوّن والتّخوين والتّرهيب والقمع، مُبدع في القتل والثّأر، مُبدع في حوادث السّير والعمل، مُبدع في الانجراف نحو الهاوية، مُبدع في التسلّط وفرض الرّأي وتهميش الآخر، مُبدع في التّطرّف والطائفيّة والكراهيَة والبُغض، مُبدع في حبّ الذّات وتضخيم الأنا، مُبدع في الشّكوك والأمراض النّفسانيّة المُستعصية، مُبدع.. ومُبدع.. ومُبدع..!
بات من العصيب القضاء على العنف المتغلغل في مجتمعنا وتغيير أفكارنا وتنقية ضمائرنا وتصفية نفوسنا، حتّى لو تمكّنت السّلطات المخوّلة من سحب ومصادرة كافّة الأسلحة من أيادي المجرمين، طالما سنجد عقولًا متحجّرة ونفوسًا مريضة وأفكارًا متخلّفة وثُللًا عائليّة وفئويّة وطائفيّة ترسّخ في أذهان الأجيال القادمة معاني التّفرقة والمُفاضَلة، لتزيده استقطابًا وعنفًا.
سنبقى جُلّ حياتنا سجناء وضحايا إبداعاتنا السّلبيّة السّيئة، طالما نخضع لفكرنا المُنغلق وذهننا المرتجّ، ولا نعمل معًا، يدًا واحدة، لخير مجتمعنا من أجل تغيير فعليّ وجذريّ لهدف اجتزاز كافّة أنواع العنف.. وإلّا سيبقي “الإبداع” في مجتمعنا فوضويًّا
395944_10150528069802914_723279051_n

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *