الاعتدال في طلب الدنيا والآخرة بقلم الشيخ رشاد

مراسل حيفا نت | 08/09/2021

الاعتدال في طلب الدنيا والآخرة

الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

الناس يتفاوتون في توجههم نجو الآخرة فمنهم من ينكرها لذلك لا يعمل عملا يطلب فيه مرضاة الله وما أعد الله لعباده في الجنة , وصنف آخر اعتزل دنياه والعمل فيها فأصبح عالة على أهله وعياله لأنه أضر بهم وقصر بالمهمة التي من أجلها خلق قال تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) وعبادة الله اسم شامل لكل ما يحبه الله ويرضاهحيث تبدأ العبادة بما فرضه الله على عباده ومن بعدها القيم والأخلاق والمعاملات لقول رسول الله (الدين المعاملة )وفي هذا المقام نذكر الناس أن عليهم الاعتدال والوسطية في كل امورهم ليحقق أحدهم لنفسه النجاح والفلاح في الدارين وأن يشارك في خلافة الأرض على أحسن حال قال تعالى ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ) والمراد بالخليفة أدم عليه السلام  ومن بعده ذريته . وقد حدد الرسول الكريم لأصحابه قواعد الاعتدال من خلال حوار شيق تعالوا بنا نستمع اليه , روى حنظلة الاسدي أنه لقي أبا بكر فقال له أبو بكر : كيف أنت يا حنظلة ؟ قال : قلت : نافق حنظلة , قال أبو بكر : سبحان الله ما تقول ؟ قال : نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي العين فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا . قال أبو بكر : والله إنا لنلقى مثل هذا , قال حنظلة : فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : نافق حنظلة يا رسول الله , فقال رسول الله ( وما ذاك ) قلت : يا رسول الله : نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي العين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا , فقال رسول الله ( والذي نفسي بيده أن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة : ساعة وساعة ثلاث مرا ت) ولو سئلنا من هو راوي الحديث ( حنظلة ) نجد في تراجمه أنه كان أحد كتبة الوحي حيث كان هو ومجموعة من الصحابة يكتبون ما ينزل على رسول الله من القرآن  وبمعنى أوضح كان أحد المؤتمنين على كتابة القرآن لذلك خاف على نفسه من النفاق لأن النفاق ينزل صاحبة الدرك الاسفل من النار , ولماذا خاف على نفسه من النفاق ؟ لأن حاله يتبدل من علو همة وروحانية الى دون ذلك حين يتعامل مع أهله ويداول أعماله ومعاملاته فكان رد رسول الله بليغ , علم فيه حنظلة وكل إنسان أنه مطالب بالاعتدال فيطلب الآخرة ويسعى اليها ولا ينسى نصيبه من الدنيا حتى تستقيم الحياة على الأرض وحتى يكون المرء خليفة الله على أرضه فالخلافة تحتاج الى عمارة الأرض , نعم رسول الله أخبره أن المداومة على الحال الذي يكونون عليه عنده تجعلهم بصحبة الملائكة ولكنه يلفت انتباهه أن هناك حقوق يجب أن تؤدى لذا قال ( ساعة وساعة ) أي اعتدل واطلب العلم ومجالسة العلماء وأكثر من ذكر الله وذكر الآخرة , كان عبد الله بن رواحة يدعو أصحابه ويقول لهم هلموا بنا لنؤمن لساعة فكان يذكرهم بالآخرة  وعن ربيعة الأسلمي قال كنت أبيت عند رسول الله فآتيه بوضوئه وحاجته فقال لي ( سل ) قلت أسألك  مرافقتك في الجنة قال ( او غير ذلك ) قلت : هو ذاك . قال : فأعني على نفسك بكثرة السجود ) ورد رسول الله لحنظلة حتى يرتب أوقاته ويجعل لحياته قيمة بولوجه أبواب الخير المتعددة من عبادات ومعاملات لذا قال له ساعة وساعة أي جزء وقتك فاجعل منه لمجالس العلم والذكر والعبادة  وجزء منه كرسه لبيتك ولأبنائك  وقم على رعايتهم وإدخال السرور في نفوسهم وأحسن صحبتهم عندها تصبح اعمال الدنيا عبادة ولو لقمة العيش التي تحملها الى اهلك قال رسول الله ( للقمة العيش التي تضعها في فيزوجتك لك عليها صدقة ) يروى أن سلمان الفارسي كان له صديق اهمل اهله بحجة أن القرآن شغله عنهم فقال له سلمان ( إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا , فأعط كل ذي حق حقه ) فجاء الى رسول الله فأخبره بقول سلمان فقال الرسول ( صدق سلمان ) ولكن ساعة وساعة يجب أن تفهم الفهم الصحيح الذي لا يخدش بإيمان المرء لأن قصد رسول الله الموازنة والاعتدال دون معصية أو جحود فالبعض يقول ساعة وساعة أي كن مع الله بعبادته ساعة وساعة أخرى لا يضر معها الفجور والمجون  والتعدي على أعراض الناس وأموالهم وأنفسهم  وهذا الفهم يدل على عدم ادراك لمراد الله من التشريع فالله تعالى بعث الرسل لغايات عظيمات عبر عنها رسول الله ( إنما بعثت لأتم مكارم الاخلاق ) وفسره العلماء على ان الأنبياء دعوا اقوامهم للأخلاق الحميدة والرسول سار على منهجهم  ولذا عند معاسفة الأزواج والأولاد والأموال لا تنسى ان هناك حلا وحرام , فالحلال يصلح شأنك في الحياة الدنيا والحرام يضر بصاحبه وكلما كان المرء يتعامل بالحلال فهو في عبادة  ويكون في ذلك قد راعى احتياجاته لأن الانسان مخلوق من روح وتراب ( جسد ) قال تعالى ( ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ) فهذا الجسد أصله التراب وغذائه وشرابه وملبسه  ومسكنه من الأرض  فاذا انقضت المدة المحددة عليها  يدفن فيها ليعود الى اصله أما الروح فتحتاج الى غذائها وبما أن أصلها من السماء فغذائها سماوي ( فنفخنا فيه من روحنا ) روحاني من صلاة وصوم وسائر العبادات وسعادة المرء تكون بالموازنة بين الجانبين فمن انشغل بالعبادة وزهد في دنياه مل , ومن شغلته دنياه عن أخرته ضل وشعر بضيق وهم حتى لو اجتمعت له كنوز الدنيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *