محاسبة النفس من التزكية بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 17/06/2021

محاسبة النفس من التزكية

الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

من أراد النجاة يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون فعليه أن يحاسب نفسه على إعماله صغيرة كانت أم كبيرة وعليه دائما أن يضع نصب عينيه أنه يتعامل مع الله الذي لا تخفى عليه خافية والقائل في كتابة ( يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد ) والقائل ( يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم * فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) فمحاسبة النفس أمر ضروري من أجل النجاة يوم القيامة وطريق أساس في تزكية النفس لذا قال عمر بن الخطاب ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا , وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا , فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم , وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية )  وكتب إلى عماله رسائل ختمها ( حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة , فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد مرجعه إلى الرضى والغبطة , ومن ألهته حياته وشغلته شهواته , عاد مرجعه إلى الندامة والحسرة , فتذكر ما توعظ به لكي تنتهي عما نهي عنه ) فالمحاسب لنفسه يعلم انه سيقف أمام ربه ليحاسبه وأن علم الله محيط بأعمال الخلق وسيضع الموازين فلا يظلم عنده احد ولكنه مطلع ولو على مثقال الذرة من الإعمال قال ربنا ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال ذرة أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) فإن كان يعلم مثقال الذرة والسر وما أخفى فلا بد من المحاسبة والاستعداد بالعمل الصالح الذي يحبه الله ويرضاه من عبادة شاملة  لان يوم القيامة سيندم من لم يحاسب نفسه وعمل بالمعاصي وسلم نفسه لوساوس الشيطان وحب الشهوات فجاء بيان المشهد المهيب في الكتاب بقوله تعالى ( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ) وشتان بين موقف المحاسب لنفسه والغير محاسب فالمحاسب لنفسه في الدنيا سيكون موقفه ثابت يثبته الله ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة ) والغير محاسب لنفسه سيناله الندم والحسرة على ما قدم ما إعمال قال تعالى ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه ) في آية أخرى ( واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه ) لذا ينادينا بعد التحذير والتنبيه أن ننظر إلى ما قدمنا من أعمال ليوم العرض والحساب قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) وجميل أن يشعر المرء بمراقبة الله فيرجع إليه بالإنابة والتوبة وحسن المعاملة والعبادة مثال ما وصف رسول الله الإحسان وهي مرتبة رفيعة يطمع بها كل مؤمن ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) وهذا الشعور سينعكس على السلوك اليومي في حياة المؤمن وهنا أذكر ما جاء من حكاية مفادها أن أحد المربين في تزكية النفس كان له تلميذ شاب بين مجموعة أكبر منه فكان هذا المربي يقدم الشاب على أقرانه فقالوا له : كيف تكرمه وهو شاب ونحن شيوخ ؟ فدعا بعدة طيور وناول كل واحد منهم طائرا وسكينا وقال لهم : ليذبح كل واحد منكم طائره في موضع لا يراه أحد , ودفع إلى الشاب مثل ذلك , وقال له كما قال لهم , فرجع كل واحد بطائره مذبوحا , ورجع الشاب والطائر حي في يده فقال : مالك لم تذبح كما ذبح أصحابك ؟ فقال : لم أجد موضعا لا يراني فيه أحد إذ الله مطلع علي في كل مكان . فاستحسنوا منه هذه المراقبة وقالوا : حق لك أن تكرم ) ونحن نقول في هذا المقام حق لمن حاسب نفسه من شبابنا  ومن بناتنا ورجالنا ونسائنا ولم يقحم نفسه في الفواحش ما ظهر منها وما بطن أن يكرم , وحق له أن يكرمه ربه إذا راقب سلوكه في بيته وفي مصنعه وفي متجره وفي معاملاته ولم يقحم نفسه سلوك ولا معاملة لا ترض الله ليكون ممن يرضى الله عنه وهو يرضى عن ربه ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ) وهذا الخلق ( محاسبة النفس ) لا بد أن يترك الأثر في الأخلاق وحسن المعاملة مستجيبا لقول الله ( واخفض جناحك للمؤمنين )  وقد سئل الفضيل بن عياض عن التواضع فقال ( أن تخضع للحق وتنقاد له ولو سمعته من صبي قبلته , ولو سمعته من أجهل الناس قبلته ) على أن يكون الحال وفق قول رسول الله ( طوبى لمن تواضع بغير مسكنة , وأنفق مالا جمعه بغير معصية , ورحم أهل الذل والمسكنة ,وخالط أهل الفقه والحكمة )  وفي ذلك العز والشرف لمن حاسب نفسه لقول رسول الله ( ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا , وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ) وهذه المراتب سيتحصل عليها المحاسب لنفس الطالب لمرضاة ربه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *