من علو الهاوية عبداللطيف الوراري شاعر مغربي، بقلم رش

مراسل حيفا نت | 10/06/2021

بقلم رشدي الماضي

 عبداللطيف الوراري شاعر مغربي، له خمسة دواوين وربّما أَثراها بسادس أو أكثر – حمل ديوانهُ الخامس، الصَّادر عن بيت الشِّعر في المغرب عام 2015, عنوان: “مِن عُلوّ الهاوية”، وقد مزج في قصائدهِ التِّسْع والعشرين التي توزّعت على 112 صفحة، ما بين الحلم المجنّح المحلّق في الأعالي وبين الرّؤية المفارقة – فجاءَت نصوصه بهذا المعنى، تأملات من أعلى تصف لنا، بنوع من المرارة الممزوجة بالسٌّخرية، مفارقات زمن يتهاوى، فولّد عالماً من الأنقاض والخرائب. فإذا بنا نراه شاهداً برؤيتهِ الشَّاعريّة على هذا التّهاوي الذي تعدّدت أفعالهُ بتعدّدِ وضعيات السُّقوط… 

   نقرأ ذلك ملامسين مُتخيّل الشّاعر في القصيدة المُفتتح للدّيوان “آنست بابا”، التي سعى من خلالها إلى إضفاء البُعْد الرّمزي لمفهوم – الباب- باعتِبارِهِ دلالة على مدخل، مقدمّة، فتح، انفتاح، بُنية ثاوية لعلاقة داخل/خارج.

   أمّا على مستوى المضمون، فالقصيدة هي بمثابة استكشاف أليغوري لمُنْحنيات ومتجليّاتِهِ التي تتلوّن بتلاوين ايقاعات الزّمن النّفسي للشّاعر، ذلك الزّمن الذي لا هو بزمن ماضوي ما يفتأ يمضي حتّى تغدو القصيدة استرجاعا للحظات هاربة، ولا هو بزمنٍِ يتماهى عبر لحظات تنفلت من سلطة الحكي التي تجعل الهارب جسداً قابلاً للاستهلاك اللحظوي الفاني والمندثر…

   طبعا، يُصْبحُ هذا الزّمن بالنّتيجة البؤرة التي تتوالد فيها المعاني وتتناسل، مِمّا يُتيح للذّات الشَّاعرة أن تستردَّ هُوّيتها، بل تبتكراذ هي بلوريّة الملامح والشّكْل، ومُتشظّيّة الدَّواخل…

   وعليه، تُصبح قصيدة “آنستُ بابا” سفرا نحو الدّاخل – العُمْر – مُبتدؤُها الباب/ الشَّاهدة، وخبرها ومنتهاها هو الباب/الوديعة…

   أمّا الآن تعالوا نقرأ ما يقولهُ شاعرنا:- آنستُ بابا / كان شاهده/ وكان وديعة/ من أربعين صدى ونِتف/ الباب أسمعُهُ هناك بداخلي/ من وشوشات الطّائر الطيّني إذ ولّى/ ولم يعزف رؤى قلبي فأعرف… اذاً .. هذا الدّاخل هو العُمر فيما مضى وصار إليهِ ولا ينكشف إلّا باقتحام بواطِنِهِ والتقاطها، فتُصبح كأنّما هي بحث عن فردوسٍ لطفولة خارجة لتوّها من رحم الغياب… ولا يخفى أَنَّ كلّ ذلك يحدث وُفْق ثرثرة ذات مفردات لغويّة اعتمدت صيغة التّكرار المَمْزوج بصيغ تتكىء إلى ماض سحيق… وصِيَغاً تتوق إلى حاضر مُنْفلتٍ من رباط الحضور، فيعكس مثولاً ماديّا صَرْفا للذّات الىشّاعرة… لذلك يقول شاعرنا:-

   “سمعت نواح طفل خارجا للتّوّ من

رحم الغياب/ وفي مسافة لوحتين سمعتُ ظلّي/ هكذا ثرثرت عمراً إذ سمعت”…

   والباب الشَّاهدة هنا، لا ينغلق كما الأبواب الفيزيقيّة، بل تبقى في أنستها

التي أضفتها عليها الذات القائلة، تبقى حلما محلّقاً في دنيا الدّواخل…

   ففعل ” آنس” لغويّا يعني أشياء عديدة ومختلفة، لاطف، أزال الوحشة، رأى ووو، أمّا “الأُنس” فهو نتاج لفعل آخر:- ” المؤانسة ” وهي في القول الخفيّ توحي ” بالأنسنة ” وتُصبح نتاجا لفعل الكينونة الانسانيّة وتعبيرا عن كينونة الذات الشَّاعرة في سفرها زمنا تِلو زمن…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *