الجامع الأموي في طبريا – أكبر جامع في جنوب بلاد الشام

مراسل حيفا نت | 29/05/2021

الجامع الأموي في طبريا أكبر جامع في جنوب بلاد الشام

كميل ساري 

تُجري الباحثة كاتيا تسيطرن سيلبرمان (من قبل الجامعة العبرية في القدس) حفريات أثرية في مدينة طبريا، خلالها تم العثور على جامع يعود تاريخه الى الفترة الأموية والعباسية. أجريت لقاء مع الباحثة كاتيا في موقع الحفريات للإستماع منها عن أهمية الجامع وتاريخه

DCIM100MEDIADJI_0103.JPG

لماذا إخترتِ إجراء الحفريات في طبريا؟

بدأت الحفريات عام 2009 بأعقاب بحث أجريته عن المدن الإسلاميةوالذي ارتكز حول مدينتين قيسارية وطبريا. شريكي في البحث آنذاك كان البروفسور “جدعون أفني” (Gideon Avni) الذ قرر بحث ودراسة مدينة الرملة، بينما اخترت أنا مدينة طبريا في الفترة الإسلامية. وقد اخترت طبريا، لأنها قليلا جدا ما ذكرت وتقريبا لم يتم دراستها خلال الأبحاث العلمية لمعاهد التعليم العلمي. وقد تلقيت الدعم المادي لتمويل الحفريات من جمعية “فان بيرشم(جمعية سويسرية للفن والتراث التي تبرعت بمبلغ لإجراء البحث لثلاث سنوات) ولاحقا من الجمعية لذكرى الباحث “يزهار هيرشفلد” (الذي كان باحثا اجرى العديد من الحفريات في طبريا الأثرية).

كانت طبريا خلال الفترة الإسلامية عاصمة لجند الأردن ولهذا أردت بحث تاريخها ودراستها. من هنا ففي بلادنا تواجدت عاصمتان” (بمعنى مدينتان هامتان) لجند فلسطين: الرملة وطبريا ولكن الرملة نالت انتباه الباحثين إلا ان طبريا لم تُجرى فيها دراسات وأبحاث كافية.

خلال العصور القديمة، كانت طبريا قريبة جدا لدمشق والطريق التجارية، كما أنها قريبة من مواقع هامة مثل السنبرة وخربة المينية. الخلفاء مروان وعبد الملك ومعاوية تواجدو هنا في هذه المنطقة مما يشير الى أهميتها. طبريا المدينة تواجدت على ضفاف البحرية ومن هنا أهميتها الإضافية

أما اهتمامي بالجامع فقد بدأ عام 2006 حيثُ قمتُ بزيارة الموقع خلال الحفريات التي أدارها الباحث يزهار هيرشفيلد وتجولنا في السوق من الفترة البيزنطية. لفت انتباهي تساؤله حول البعض من أساسات الأبنية التي لم تكن واضحة له. كمان ان التصاق الأساسات وقربها من بعض كان واضحا أنها ليس منزلا سكنيا ولا يمكن إستعمالها كسوق كما افترض الباحثون في الماضي. وقد افترضت حينها انا أنها شيئا آخر وهي تشبه الجامع الكبير في دمشق، كما أن واجهة المبنى كانت الى الجنوب.

المبنى تم التنقيب عن جزأ منه خلال سنوات الخمسينات إلا ان ماهيته ليست واضحة. إستغرب الجميع من إقتراحي انه جامع ولكن أحد لم يقل لا.

عندما وضعت قياس المبنى بالمقارنة مع الجامع في دمشق كان واضحا أن الاتجاه جامع. كما أن العديد من المكتشفات مثل ألواح الرخام، كانت لا زالت موجودة في مكانها.

من هنا كان الإفتراض التي اقترحتها، أنها فترة حكم هشام الملك، ذلك بالمقارنة مع جوامع أخرى. كل هذا طبعا قبل أن بدأت الحفريات انما تلك هي الإفتراضات التي أدت الى الحفريات ذاتها.

بداية الحفريات

بدأت الحفريات عام 2009 في مواقع جديدة وهي الى الشرق من المناطق التي تم التنقيب عنها في خمسينيات القرن العشرين بإدارة الباحث رافاني (Ravani). وقد هدفت الحفريات الأولى الى فحص المبنى، كشف ما هو حجمه، دراسة أساسات بنائه وتاريخها. فاتضح ان أساسات الجامع تعود الى الفترة الأموية، وان ما كان بارزا بالتخالف بين مستوى الأساسات، يعود الى طبقات من التراب التي تم تعبئتها خلال الفترة الأموية، بهدف جعل الأرض على مستوى مسطح واحد. هذا الأمر (التراب الذي تم إضافته خلال الفترة الأموية) هو الذي أدى الباحثون الى الإعتقاد أن الجامع تاريخه الفترة العباسية. كما اتضح ان في وسط المبنى تم إضافة صفا من الأعمدة بعد الهزة الأرضية التي ضربت الموقع خلال القرن الثامن ميلادي.

كذلك، كشفت الحفريات أن صفوف الأعمدة مبنية بطريقة تتطابق مع عدد الأعمدة في جوامع أخرى: صفان من الأعمدة الواحد يشمل 7 أعمدة والآخر 11 عمودا. وهو نمط من البناء كان شائعا خلال الفترة الأموية.

خلال سنوات العشرينات من القرن الثامن، تم توسيع الجامع ليكون قريبا من الكنيسة الكبيرة التي تواجدت خلال القرن السادس ميلادي، حيث كان الشارع الرئيسي للمدينة، عرضه قرابة 5 امتار، هو الفاصل بين مبنى الكنيسة والجامع. يجدر الذكر أنها كانت كنيسة هامة جدا، وهي عمليا كانت مبنى كتدرائية تواجد فيها آنذاكالأسقف واستمر إستعمالها خلال الفترة الإسلامية. يجدر الذكر ا، سكان المدينة آنذاك منذ الفترة البيزنطية وحتى الفترات الصليبية، كانت الغالبية من المسيحين واليهود.

الهدف الرئيسي من البحث، هو فهم تطور المدينة من الفترة البيزنطية الى الإسلامية والتغييرات التي طرأت عليها خلال الفترة الإسلامية.

كتب المقدسي كتابه (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم) عام 985 ميلادي، إلا انه زار طبريا قرابة سنوات الخمسينات وهو يذكر أنه يرى الجامع الكبير في طبريا مبني من الحجر ومع أعمدة كبيرة. كما أنه يصف أرضية الجامع المرصوفة بالحصو. هذا المبنى انهار عام 1068 إثر هزة أرضية.

اتضح من الحفريات أن هنالك أربع مراحل للجامع منذ بنائه خلال الفترة الأموية، توسيعه وتكبيره خلال الفترة العباسية، وعام 1068 إنهار نهائيا خلال الهزة الأرضية وهدم. وقد وصل حجم الجامع في ذروته الى 78 مترا في العرض ووصل طوله الى 90 مترا. يعتبر هذا، أكبر جامع في جنوب بلاد الشام الذي نعرفه حتى الآن. الجامع الوحيد الذي يعتبر أكبر منه هو الجامع في دمشق.

المبنى:

من جهة أسلوب المبنى فهو مميز جدا إذ ان الأساسات رسخت في الأرض مع الأسمنت بطريقة مميزة لم تكن مستعملة في منطقتنا من قبل. وهي طريقة بناء قوية وسريعة جدا، لذلك انتشرت سريعا في الجليل وشاع استعمالها. كذلك هو مبنى بنمط الجامعالهيبوستيلي” وتعني المبنى الذي يشمل الساحة المحاطة بالأعمدة. انتشر هذا النمط من الجوامع في بلادنا خلال القرن السابع ميلادي، وعلى سبيل المثال الجامع في العراق بهذا النمط بني عام 707 ميلادي (أي بداية القرن الثامن). وقد أشار الباحثون، إلى ان التواضع في شكل مبنى الجامع، يرمز الى حياة النبي المتواضعة.

أما تاريخ المينى، فيعبر هذا الجامع هو الأقدم في البلاد، إذ أن غالبية المكتشفات يعود تاريخها الى منتصف القرن السابع. البعض من العملات، يعود تاريخها الى العام 660 ميلادي إلا ان غالبية المكتشفات قبل ذلك. من هنا واستنادا الى المكتشفات الأثرية، يمكننا نسب تاريخ بناء الجامع في المرحلة الأولى الى فترة معاوية. نحن نعلم أن مدينة طبريا تم احتلالها عام 635 م، ووفقا للمصادر التاريخية فإن قائد القوات الإسلامية آنذاك أشار الى موقع الجامع. من هنا، يمكننا الإستنتاج أن فترة بناء الجامع تعود الى فترة الخليفة معاوية.

للإجمال:

اعتبر هذا واحد من أهم المكتشفات في بلادنا وهو ذو أهمية عالمية إذ يتضح أن المبنى لم يستمر ترميمه بعد عام 1068 م، وهذا إشارة وفرصة لبحث المكان وفهم العلاقة بينه وبين الكنيسة والحياة المشتركة التي كانت في طبريا خلال الفترة الإسلامية. هذا السبب أن المخطط لتطوير الحديقة الأثرية في طبريا سوف تشمل الجامع والكنيسة وتطويرهما وليس فقط المدينة من الفترة الرومانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *