الابتلاء بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 18/05/2021

الابتلاء
الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي
نعيش في هذه الأيام ابتلاء شديد ومتعدد الصور وهذا يسوقنا الى القول أن الابتلاءات والمحن هي التي ترص الصف وتنقيه وتضع الأمور في نصابها الحقيقي والله أخبرنا في كتابه ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة ) وهي طريق أصحاب الأهداف السامية التي تحتاج الى تمحيص وتنقية قال تعالى ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) والابتلاءات والمحن هي طريق يسلكه أصاب المبادئ السليمة وأصحاب الحقوق لذا ضرب لنا رسول الله مثلا لمن سبقوه من هؤلاء فقال ( قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له حفرة في الأرض فيجعل فيها , فيجاء بالمنشار , فيوضع على رأسه , فيجعل نصفين , ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه , فما يصده ذلك عن دينه , والله ليتمن هذا الأمر , حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت , لا يخشى ألا الله والذئب على غنمه , ولكنكم تستعجلون ) والشاهد في هذا الحديث أن أصحاب المبادئ يبتلون ويثبتون على مواقفهم مما يضمن لهم فيما بعد حياة آمنه وبعزة وكرامة , بعد أن عرفوا وأدركوا الحقائق وقد أشار القرآن الكريم أن من يبصر ويسمع ويدرك الحقائق هو من تدب به الحياة عند مولده قال تعالى ( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ) والمتمعن بالرسلات السماوية يجد أنها قررت مبدأ واضحا وهو أننا في دار ابتلاء وامتحان وجعلت غاية المؤمن فيها مرضاة الله بالالتزام بأوامر الله فيحل ما أحله ويحرم ما حرمه ويكف عن معاصيه ويعمل العمل الدائم بالإقبال على الطاعات والابتعاد عن المعاصي والسيئات ولذلك صرخ علي بن أبي طالب صرخة مدوية قال فيها ( ارتحلت الدنيا مدبرة , وارتحلت الاخرة مقبلة , ولكل واحدة منها بنون , فكونوا من أبناء الآخرة , ولا تكونوا من أبناء الدنيا , فكل أم يتبعها ولدها , واليوم عمل ولا حساب , وغدا حساب ولا عمل ) فإذا كانت الدنيا دار العمل فلا ينبغي أن يقف المؤمن عند العقبات والتحديات , ويذهب نفسه حسرات , بل يعمل ليوم مشرق جديد تزول فيه الغمة ويرفع فيه الهم والجبروت , وهذه هي سبيل أهل الايمان قال تعالى ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون , ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) ولكن الفائز هو الثابت على مبدئه لا يرده عنه أي ابتلاء كان , والابتلاءات كما اسلفت متعددة الالوان قال تعالى ( ولنلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا اليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) وقد علمنا التاريخ أن الصبر مفتاح الفرج فنبي الله أيوب ابتلي بماله وجسده وولده ولكنه صبر واحتسب قال تعالى بحقه ( إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ) وعوضه الله بثباته قال تعالى ( وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين , فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين ) حتى أصبح مضرب الأمثال الى يومنا هذا حيث نقول ( صبر أيوب ) ومثل هذه المحنة التي نعيشها اليوم إنما لتمحص الناس ولتميز الخبيث من الطيب وتظهر أصحاب الهمم العالية , والنفوس القويمة والعزائم الفتية المؤمنة , والقلوب الواعية المخلصة , ولهذا علينا مطالعة سيرة الصابرين وتكريم الله لهم والاقتداء بهم , وهنا لا بد من مقالة نؤكد فيها أن من حق أي مواطن عربي أن يرفع صوته ويندد بالظلم الذي يقع على أبناء مجتمعنا وهذا جزء من حقه الطبيعي الذي كفلته الشرائع السماوية والدساتير الوضعية فقد اعتبر الرسول أن أعظم الجهاد كلمة حق تقال عند سلطان جائر . ولكن دون التنازل عن المبادئ فمن أراد قول كلمة الحق لا يسير خلف الباطل ولا يتبع خطوات الشيطان ولهذا انصح أبناءنا جميعا بأن يكونوا حضاريين حتى في موطن الفتنة والمحنة فلا تعتدوا على ممتلكات الناس ولا على بيوت العبادة ولا تتلفظوا بالكلمات النابية وعبروا عن مشاعركم بالكلمة البينة الواضحة التي تعبر عن مشاعر الغضب التي في صدوركم ولا تجرح من كرامتكم ومكانتكم , وقد يقول قائل : هم يفعلون كل ذلك . نقول : لستم سواء , فأنت أصحاب حق , ونحن في هذا المقام ندرك علم اليقين أن الشرطة متهاونة مع الظلمة ونقول لها ولكل المؤسسات الرسمية : نحن نتطلع الى حياة آمنة تضمن للجميع العيش بكرامة ولذلك عليكم الحد من تصرفات قطعان المستوطنين الذين يعيثون في الأرض فسادا وأن لا تكيلوا بمكيالين وأن تكون المبادرة من عندكم لوقف كل أشكال العنف في البلاد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *