الّثقافة العربيّة تعقد مؤتمرًا صحافيًّا حول تمييز “وزارة التّراث” الإسرائيليّة ضد المواقع العربية

مراسل حيفا نت | 02/05/2021

الّثقافة العربيّة تعقد مؤتمرًا صحافيًّا حول تمييز “وزارة التّراث” الإسرائيليّة ضد المواقع العربية

عقدت جمعيّة الثقافة العربيّة صباح يوم، الأربعاء، مؤتمرًا صحافيًّا بالشّراكة مع منظمة “عيمق شافيه” في أعقاب تقديمهما التماسًا إلى المحكمة العليا الإسرائيليّة ضد سياسة التمييز في الميزانيات لمواقع التراث والتي تنتهجها وزارة القدس والتراث مطالبتين بإصدار أمر مشروط وتجميد طلب العروض الذي نشرته الوزارة، والذي يشمل معايير تمييزيّة تحرم المواقع التاريخية التي توصف بأنها غير يهوديّة من المشاركة في الدعوة للحصول على ميزانيات لمواقع التراث.

وافتتح المؤتمر رئيس الهيئة الإدارية في الجمعيّة، الكاتب أنطوان شلحت، فقال إن طلب الالتماس إلى المحكمة العليا مع منظمة “عيمق شافيه” التي تكافح ضد سياسة الانتقاء المؤدلجة صهيونيًا في كل ما يتعلق بحقوق الثقافة والتراث، جاء ليوسّع دائرة الوعي حيال الماضي الحضاري الفلسطيني العربي والإسلامي للبلد، وما يتعرّض له من حملة محو ممنهجة تحمل دلالات كثيرة، سواء إزاء ذلك الماضي أو إزاء الحاضر والمستقبل.

وأشار شلحت إلى أن الاهتمام بالماضي الذي تبديه جمعية الثقافة العربية ليس تهمة تؤرقها بأي حال من الأحوال، كون هذا الماضي فيه ما يفسّر الحاضر وما يشير إلى أفق المستقبل في كل ما يرتبط بحقوق الفلسطينيين على كل المستويات. وشدّد على أن هذا الماضي هو رديف للتاريخ الذي شهده البلد والمجتمع، مشيرًا إلى أن هذا التاريخ تعرّض إلى أحداث جسيمة ما زالت تلقي بظلالها على الحاضر، وهي تستلزم التذكير بها مرارًا وتكرارًا في سياق الكفاح الذي يرمي إلى تحقيق العدالة لفلسطين وشعبها.

أخيرًا أوضح شلحت أن تقديم طلب الالتماس إلى محكمة العدل العليا يهدف أكثر من أي شيء آخر إلى تحصيل ما يمكن تحصيله من حقوق المواطنين الفلسطينيين في مجالي الثقافة والتراث، وتعميق الاهتمام بالتراث الفلسطيني، وإظهار أن التمييز الدولتي في هذا الشأن إنما ينطوي، في العمق، على خوف من إعادة ظهور هذا الماضي بآثامه التي ارتكبت ولم تتوقف يومًا محاولات التعمية عليها.

وتحدّث منسّق مشروع حماية التّراث المبنيّ الفلسطينيّ في جمعيّة الثّقافة العربيّة، د. رامز عيد، حول المشروع الّذي تديره الجمعيّة مع مؤسّسة “عيمق شافيه” منذ نحو عام، والّذي عملت من خلاله على تقرير رصدت فيه واقع المباني التّراثيّة في البلدات والمناطق المختلفة في البلاد، وسياسات الإهمال المتعمّد الّتي تنتهجها السّلطات الإسرائيليّة في التّعامل مع هذه المباني. وأكّد عيد أنّ الحفاظ وحماية التّراث عمومًا، والمبنيّ خصوصًا، هو حقّ إنسانيّ وجمعيّ لا بدّ لنا من العمل على تحصيله بشتّى الطّرق، وبينها المسار القضائيّ الّذي بدأته جمعيّة الثّقافة العربيّة، كأولى المؤسّسات العربيّة الّتي ترفع مثل هذه الدّعاوى والملاحقات القضائيّة للسلطات الإسرائيليّة.

واستعرض عيد أهمّ مُخرَجات التّقرير الّذي نشرته الجمعيّة بالشّراكة مع مؤسّسة “عيمق شافيه” في شهر كانون الأوّل/ ديسمبر الماضي، والّذي رصد إهمال الوزارة، إلى جانب عدد من دراسة الحالات للمباني التّراثيّة العربيّة الفلسطينيّة المُهملة، مثل مدينة الرّملة، الّتي وعلى الرغم من أن فيها مبانيَ ضخمةً ذاتَ أهميةٍ تاريخيّة كبيرة، إلّا أنّ البلدية لم تستثمر تقريبًا أي أموال في تطويرها، هذا عدا عن افتقاد المدينة لخطّة تطوير سياحيّة، كما تعاني المباني التّراثيّة فيها من الإهمال والتّشويه، فعلى سبيل المثال، حمام رضوان في وسط مدينة الرملة القديمة، وهو بناء مثير للإعجاب يعود إلى الفترة العثمانية، وحاليا غرفة مدخله مكشوفة ومسيجة، لكن بقية فضاءاته مدفونة تحت موقف للسيارات لقاعة حفلات قريبة. ونظرا لموقعه المركزي، فقد تقرر السماح بالمحافظة على الموقع وتطويره، ولكن في النهاية لم يتحقق هذا القرار.

كذلك، تحدّث عيد عن وزارة القدس والتّراث، الّتي قدّمت الجمعيّة التماسها للمحكمة العليا ضدّها، ووفقًا لما بيّنه التّقرير، فقال إنّه منذ الحكومة الرابعة والعشرين برئاسة يتسحاق شامير، خدم وزراء كان دورهم الإشراف على شؤون القدس، أمّا في عام 2015 بعد تشكيل الحكومة الرابعة والثلاثين برئاسة بنيامين نتنياهو، فقد تقرّر إنشاء وزارة مستقلة تسمى وزارة القدس والشتات؛ ومذذاك فإنّ ميزانيتها ترتفع بشكل مطّرد، فقد بلغت الميزانية الإجمالية للوزارة في عام 2019 ما يقارب 144 مليون شيكل؛ وأوضح عيد أنّ في الوزارة قسمين مسؤولين عن المجالين الرئيسيين اللذين فوّضت بهما الوزارة: قسم القدس المسؤول عن تطوير المدينة في مجالات مختلفة من خلال تقليص الفجوات بين أحياء المدينة؛ وقسم التراث الذي يتمثل دوره في إدارة ممتلكات التراث الوطني من خلال كشفها للجمهور، وحفظها، وترميمها وتطويرها من شمال البلاد إلى جنوبها.

وينشر قسم التراث في الوزارة إعلانًا، مرّة كلّ خمس سنوات، في الصحافة للهيئات التي تمتلك أو تدير أو تحتفظ بالمواقع التي تعتبر ممتلكات تراثية وطنية وتحتاج إلى تحسين، وتطوير وتعزيز؛ بناء على شروط العطاء، يمكن فقط للهيئات التي لديها مسؤولية مباشرة عن موقع معين، أي البلديات أو الهيئات المحلية مثل الصندوق القومي اليهودي (الكيرن كييمت) وسلطة الطبيعة والحدائق، تقديم عروض عن المواقع للبرنامج. ونظرا لأن معظم هذه المواقع تدار من قبل السلطات الحكومية، فقد تميّز هذه السياسة ضد الأقليات غير الممثلة في المجتمع، وعلى رأسها المجتمع العربي. والدليل على ذلك يمكن العثور عليه في كلام ران يشاي، مدير عام الوزارة في الأعوام 2019-2016، والذي أوضح أن الإعلان السابق الذي أصدرته الوزارة والمعروف باسم “مخطط التراث أ”، كان يهدف إلى تطوير مواقع التراث اليهودي فقط.

وبناءً عليه، ونظرًا للإعلان الأخير الّذي أصدرته الوزارة العام الماضي، تقدّمت جمعيّة الثّقافة العربيّة وجمعيّة “عيمق شافيه” بطلب التماس لمحكمة العدل العليا، لمساءلة الوزارة حول التمييز الّذي تنتهجه، وكان أوّل ما حقّقته الدّعوى هو تجميد الإعلان الأخير.

وتحدّث في المؤتمر الصحافي المدير العام لجمعيّة “عيمق شافيه”، يوني مزراحي، عن التّقرير والغاية المركزيّة من المشروع في حماية وتطوير مواقع التراث غير اليهودي في إسرائيل؛ موضحًا أنّ السّلطات الإسرائيلية المسؤولة عن تحديد المواقع التي سيتم تطويرها قد استثمرت معظم مواردها في تطوير المواقع التراثية التي تعزّز ارتباط المجموعة المهيمنة في المجتمع، وفي هذه الحالة الشعب اليهودي، بالبلاد؛ وأنّه وفقًا لنتائج التّقرير ودراسة حالات عديدة فنتيجة لهذه السّياسة تمّ إهمال المواقع التّراثية الّتي تمثّل مجموعات غير يهودية، بل تم تدميرها.

وأوضح مزراحي أنّه وفقًا للبيانات الّتي رصدها التقرير، تفاقمت هذه الحالة مع سن التعديل 31 لقانون التخطيط والّذي بموجبه يحق لكل بلدية تحديد سياسة حفظ مواقع التراث والبناء في عام 1991؛ إلّا أنّ القانون قسم المباني إلى مجموعتين: الأولى لحفظ المواقع الأثرية، التي تستحق الحماية الفورية من أنشطة التطوير التي قد تلحق الضرر بها؛ والمجموعة الثانية للحفاظ على المواقع التاريخية التي يجب إثبات أهميتها. إن إنشاء مجموعتين منفصلتين من القوانين يضر بشكل خاص بالحفاظ على المواقع التراثية التي تمثل الأقليات، والتي تفتقر إلى التمثيل والسلطة في المجتمع. تفتقر هذه المجموعات في الغالب إلى الروافع الاقتصادية والسياسية اللّازمة للحفاظ على هذه المواقع التراثية. وفعلًا، ظهرت في السنوات الأخيرة العديد من البرامج التي تهدف إلى الحفاظ على مواقع التراث اليهودي، ولكن يلاحظ نقص مستمر في الموارد الاقتصادية للحفاظ على المواقع التراثية لمجموعات الهُويّة غير اليهودية في المجتمع. وتؤكد دراسات الحالات المعروضة في التقرير أن هذا الوضع يحدث على جميع المستويات، في البلديات الغنية اقتصاديًّا، مثل تل أبيب يافا، وفي البلديات التي تفتقر إلى الموارد الاقتصادية، مثل الرملة. وحتى إن كانت هناك محاولة لتطوير المباني التراثية التي تعلّم عن الماضي المعقد متعدد الثقافات للمدن، فليس هناك تقريبًا أي تعبير عن الثقافات غير اليهودية التي ساهمت في تطوّرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *