باريس: تقول تقارير صحافية إن الولايات المتحدة الأميركية تبحث عن بلد يستضيف الزعيم الليبي معمر القذافي في مسعى دبلوماسي لإنهاء الأزمة، ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز فان واشنطن لا تريد التورط في حرب جديدة غير مضمونة النتائج.
واستندت الصحيفة الأميركية، في خبرها هذا، على ثلاثة مسؤولين كبار في إدارة أوباما، التي أظهرت عدم استعدادها لأحد الريادة في حرب تجهل نتائجها خوفاً من الوقوع في مستنقع دموي على غرار ما حصل لأميركا في العراق خلال عهد جورج بوش.
الأميركيون لا يعطون أهمية كبرى للإلحاح الفرنسي في الرفع من درجة انخراطهم في هذه الحرب، لأنهم يفضلون أن "يتحمل الليبيون مسؤوليتهم في تغيير النظام…"، قال مسؤول أميركي للصحيفة الأميركية، مؤكدا أن "ما نسعى إليه هو إيجاد مخرج سلمي للأزمة".
و المخرج السلمي الذي يبقى قابل للتطبيق في الوقت الحالي إن قبل به- طبعا-القدافي، هو توفير منفى آمن له داخل إحدى الدول غير موقعة على معاهدة روما التي خلقت بموجبها محكمة الجنائية الدولية،حتى لا يفرض عليها طبقا للاتفاقية المذكورة تسليمه.
وإن كانت الإدارة الأميركية تراهن على هذا الحل، فهي تتفق كذلك مع البلدان العظمى خصوصا فرنسا وبريطانيا على ضرورة رحيل القدافي عن السلطة، وجاءت الورقة التي نشرتها الصحافة ووقعها زعماء البلدان الثلاثة في هذا السياق.
فالمسؤولون الثلاثة، الذين كانوا مصدر خبر صحيفة نيويوك تايمز، أكدوا أنه "من المستحيل أن نتخيل أن ليبيا لها مستقبل رفقة القدافي…"، موضحين "أنه لا يمكن لمن أراد إبادة الشعب الليبي أن يلعب دورا في الحكومة المقبلة لليبيا".
إيجاد منفى للقدافي أو المهمة الصعبة
التخوف الحاصل، كما يقول كريم إيميل بيطار، الباحث لدى معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية "هو أن يعود من الصعب جدا إيجاد مخرج دبلوماسي لتدهور الوضع الحالي". "فالمقال الموقع من طرف الثلاثي ساركوزي، أوباما وكاميرون أشار بوضوح أن الهدف من الآن هو إسقاط القدافي".
وأضاف بيطار في حوار لإيلاف "بالتالي نكون قد تجاوزنا المنطق الأولي المتعلق بالقرار ألأممي 1973 الذي يتحدث فقط عن حماية المدنيين. نحن الآن في وضعية حرب مفتوحة هدفها تغيير النظام. وهكذا فأي حرب لها ديناميتها التي من الصعب إيقافها عند اندلاعها".
و ما يزيد من تعقيد الحل الدبلوماسي، بحسب هذا الباحث، "البروفيل النفسي للقدافي…بن علي ومبارك بدورهما حاولا التمسك بالحكم، لكن عندما أصبحت موازين القوى ليست في صالحهما،بن علي فر، ومبارك استقال. في حالة القدافي فالأمر غير مؤكد لأنه لم يستخلص من تلقاء نفسه العبر".
ويستفيض بيطار في شرح نفسية العقيد الليبي، بالقول: "ولو أن هذه الحرب لا تذهب في صالحه في النهاية، فقد يخاطر بمتابعة المعركة. فهو يمتلك شيئًا من شخصية دونكيشوت لكن دون النبل و الرقي الذي يميز الأخير".
ويرى بيطار أن "تفضيل الولايات المتحدة للبحث عن منفى للقدافي توخت منه،على ما يبدو، تجنب حرب الإنهاك، وأن تسحق جهة، جهة أخرى، وحتى لا تندلع دوامة من الانتقامات على قاعدة التنافس بين القبائل حول من يراقب موارد البترول".
منفى للقدافي في بلد إفريقي أو خليجي
يفسر بيطار تفضيل الإدارة الأميركية التفاوض مع البلدان الإفريقية بهذا الشأن "باعتبار علاقات القدافي سيئة مع البلدان العربية، وبالتالي الولايات المتحدة، تبحث أولا عن بلد استقبال في إفريقيا".
و أضاف بيطار أن "الأفارقة بدورهم لا يحملون القدافي في قلوبهم. لقد ظلوا يتعاملون معه بحذر نظرا لقدراته على التشويش، الذي لم يتردد في توظيفها، حيث حصل أن أنفق مبالغ هامة بين سنتي 1970 و1980 لضرب استقرار بعض البلدان الإفريقية التي كانت تجمعه معها علاقات سيئة".
كما أن اختيار واشنطن لهذه المنطقة راجع لكون "العديد من حكوماتها لم يوقع على معاهدة روما، وهو ما يمكن القدافي من أن يبقى بعيدا عن المحاسبة. روبير موكال في زامبيا يتقاسم معه مجموعة من النقاط المشتركة، ويمكن له أن يمنحه منفى لديه"، يقول بيطار.
وإن كانت هناك عواصم عربية تقبل بفتح أراضيها في وجهه، يرد الباحث الفرنسي قائلا: "من المنطقي أن تونس ومصر اللتين نجحت فيهما الثورة لا يمكن لهما أن يستقبلا مستبدا مثل القدافي الذي دعم بن علي ومبارك حتى آخر يوم، كما أنه تأسف لسقوطهما".
و يرى بيطار كذلك "أن ملك المغرب لا يسقط في خطأ من هذا القبيل، باستقبال القدافي، في وقت بدأت فيه حركات احتجاجية في الظهور.أما المملكة السعودية فكان لها باستمرار علاقات سيئة معه حيث لم يتردد في سب ملك السعودية في بحر قمة عربية".
و "يبقى احتمال نزوحه إلى بلد خليجي"، بحسب الباحث الفرنسي، واردا كذلك، "لكن بدون ضغط أميركي، لا يوجد بلد يستقبل القدافي بقلب مسرور".
"فأحد النقاط القلائل المشتركة بين مجموع البلدان في جامعة الدول العربية"، يقول باحث معهد العلاقات الدولية و الإستراتيجية،"هي كره القدافي، وهذا ما سمح للجامعة، المعروفة بانقساماتها، بأن تلعب دورا في عملية الحلف".
واشنطن تريد تجنب حمام دم في ليبيا
ويعتقد كريم إيميل بيطار "أن إدارة أوباما تعطي الأولوية، في الوقت الحالي، للحل الدبلوماسي لتجنب مزيدا من تدهور الوضع في بلد إسلامي، ووضع حد للأزمة في أسرع وقت ممكن، دون خوض حرب على الأرض".
و بالنسبة "لاعتبارات القانون الدولي، العدالة والأخلاق العامة، تضعها واشنطن، في الظرف الراهن في مرتبة ثانوية. ففي حالة قبول القدافي الرحيل نحو بلد لم يوقع على معاهدة روما، بعد أن يقبل باستقباله، سيغدو كل شيء قابل للتفاوض". يقول بيطار.
وتبرر الولايات المتحدة تعاطي من هذا النوع مع هكذا وضعية "بكونها تعطي الأسبقية لوقف حمام الدم"، بحسب ضيفنا، ولا يهم إن كانت ستفاوض حكومات ظلت ترفض التوقيع على معاهدة روما.
ليخلص هذا المختص في الشأن العربي إلى "أننا في وضع ذات مأزق مزدوج، عسكري ودبلوماسي، عكسته التصريحات الملتبسة للقاء الدوحة".
"فالدخول في هذه الحرب، يضيف بيطار، كان بطريقة متسرعة ودون أدنى مشاورات بالنظر للأهداف والإمكانيات التي كان كل طرف مستعدا لتوظيفها للوصول إلى هذه الأهداف".
و في نفس السياق يستطرد "ساركوزي استعجل وارتجل وأراد بذلك أن يحقق نجاحا دبلوماسيا. تمكن بالفعل من إقناع العديد من الدول للمشاركة في العملية، لكن بسرعة ظهرت انشقاقات في الحلف الأطلسي".
و يرى كريم إيميل بيطار أن "الولايات المتحدة حذرة وأوباما لا يتمنى أن تكون بلاده على الجبهة في حرب جديدة. فالرأي العام العربي لازالت ذاكرته تحفظ كابوس الفشل الذريع الأميركي في العراق"، بحسب تقديره.