أشرف أبوجلالة من القاهرة: تحظى المساعدات الخارجية الأميركية التقليدية بالخلل القاتل المتعلق بالذهاب إلى، أو عبر، الحكومات. وبررت مجلة فورين بوليسي الأميركية ذلك بأنه يؤدي إلى حدوث فساد. وأوضحت أن المساعدات الخارجية تبرز دور الحكومات في عالم ينبغي أن يكون فيه ذلك الدور متراجعاً.
ثم انتقلت المجلة لتتحدث عن محور آخر من محاور "القوة الناعمة"، وهو "برامج المبادلة"، وهو الجانب الذي تساءلت بشأنه المجلة الأميركية، بعدما علمت أن المُنظِر الرئيس للإسلام المتطرف وحركة طالبان وتنظيم القاعدة وأسامة بن لادن، وهو سيد قطب، كان طالباً بنظام الابتعاث في كلية التربية في ولاية كولورادو.
وبالمثل بالنسبة إلى المُنظِر المتطرف الأفريقي البارز والنموذج السياسي، كوامي نكروما: الذي كان طالباً بنظام الابتعاث في جامعة لينكولن، ليلحق بعد ذلك أضراراً بالغةً بالنهج الإفريقي المتعلق بتنمية المهارات القيادية والاقتصادية، من خلال تحميل الاستعمار والرأسمالية مسؤولية العلل التي تعانيها القارة السمراء.
كما كان محمد عطا طالباً بنظام الابتعاث في ألمانيا، قبل أن يدبّر وينفذ هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر عام 2001 على الولايات المتحدة. ومع وجوب الاعتراف بأن تلك الحالات قد تكون استثناءات نادرة، إلا أنها تلقي بظلال من الشك حول قيمة مثل هذه المبادلات. والحقيقة، بحسب ما ورد في تقرير المجلة، هي أن كثيرًا من برامج المبادلة الفعالة تنبع من ميزانيات قوة صارمة، وليس تلك الخاصة بالقوة الناعمة.
ثم مضت الصحيفة تشير إلى التقارير التي ظلت تتحدث طوال الفترة الأخيرة في مصر بصورة يومية عن اتصالات عسكرية – مصرية – أميركية للإبقاء على الوضع سلمياً هناك، والعمل في الوقت نفسه على زحزحة الرئيس مبارك من منصبه. وهي الأنشطة التي لاحظت المجلة أنها لم تصدر من أي من الوكالات المنوطة بتنفيذ إستراتيجية "القوة الناعمة" – مثل دبلوماسيين سابقين ومدراء الوكالة الأميركية للتنمية، وغيرهم من المنوطين بالمساعدات الزراعية – مع نظرائهم المصريين.
وكانت المبادرة الدبلوماسية الوحيدة التي حظيت بالاهتمام هي تلك التي قام بها السفير الأميركي السابق في مصر، فرانك ويزنر، الذي بُعِث به فجأة إلى القاهرة بناءً على طلب كلينتون. كما اعترف الباحث جوزيف ناي بأن الخط الذي يفصل بين القوة الناعمة والقوة الصارمة هو خط ضبابي، رغم أنه يعادل القوة الأولى مع وزارة الخارجية وميزانيات الوكالة الأميركية للتنمية، والقوة الثانية مع البنتاغون.
مع هذا، ينهار التمييز بسرعة كبيرة للغاية، لا سيما عندما تفكر في أن العديد من الأنشطة العسكرية الأميركية قد عززت من سمعة أميركا، وعززت من نفوذها في الخارج – بصورة فاقت أي حدث دبلوماسي أو أي حدث متعلق بالمساعدات الخارجية الأميركية.
اقرأ الجزء الأول من التقرير |
نظرية القوة الناعمة تجاه الشرق الأوسط تراوح مكانها في واشنطن |
إضافة إلى ذلك، قالت المجلة إن وكالة القوة الناعمة الرئيسة في أميركا قد تكون منقوصة الفاعلية بسبب نعومتها الشديدة. ولفتت هنا إلى أن وزارة الخارجية الأميركية سبق لها أن وافقت على طلب حكومة الرئيس السابق مبارك قبل أن يتم إطلاق أي برامج ديمقراطية أميركية لمصر. ولتبسيط المسألة، وافقت وكالة القوة الناعمة على أن يصادق الديكتاتور أولاً على البرامج المناهضة له والمخصصة من جانب الكونغرس.
وفي مقالات افتتاحية نُشرت أخيراً في صحيفة واشنطن بوست الأميركية، شُكِي من عدم قدرة، أو عدم رغبة، وزارة الخارجية الأميركية في إنفاق أموال مخصصة على أجندة حرية فعالة. وتابعت فورين بوليسي في هذا السياق بالقول إن وزارة الخارجية كانت مترددة، إن لم تكن معارضة، في ما يتعلق بمساعدة المقاتلون من أجل الحرية في العصر الحديث في إيران وليبيا وسوريا.
ويجب أن لا تكون هناك مخاوف معتادة من الإساءة إلى الحكومة المضيفة، لأن حكومات هذه الدول الثلاث لا يمكن أن تكون أكثر عداءً للولايات المتحدة أو أكثر وحشية تجاه شعوبهم مما هو حاصل الآن.
وختمت المجلة بقولها إنه وإلى جانب الارتكاز على الافتراضات الناعمة، فإن التأكيد على القوة الناعمة ربما يؤدي إلى تفكير ناعم. وبينما تبلي واشنطن بلاءً حسناً على الصعيدين الدفاعي والدبلوماسي، فإنها لا تسير على النهج نفسه في ما يتعلق بالوضع التنموي. كما إن ارتباط القوة الصارمة بميزانيات البنتاغون والأسلحة والجنود يبدو متناقضاً تماماً. لكن النظر للنتائج الفعلية للقوة الناعمة في مقابل القوة الصارمة قد يسفر عن نتائج قد تجعل تفكير اليوم العصري يبدو ناعماً، إن لم يكن اسفنجياً بشكل كلي.