القاهرة: في وقت يوصف فيه المفكر الأميركي والأستاذ في جامعة هارفارد، جوزيف ناي، بالموهوب في استحداث العلامات التجارية، فإنه على نفس القدر كذلك من الموهبة فيما يتعلق بالتفكير والتعليم وخدمة الشعب. وقد نجح في تحويل القوة الناعمة (القوة الذكية) إلى ماركة تجارية ذهبية.
ولعل الجميع يدرك أن الشيء يتحول إلى ذهب عندما تغلفه وزيرة الخارجية بإستراتيجية، مثلما أعلنت هيلاري كلينتون، قبل أيام من توليها منصبها، عن استحداث إستراتيجية "قوة ذكية" بشأن الشرق الأوسط خلال جلسة التأكيد الخاصة بها في الثالث عشر من كانون الثاني/ يناير عام 2009.
وقد ارتقت تلك الإستراتيجية عندما تم تشكيل لجنة مكتملة من الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، مثلما كان الحال في "لجنة القوة الذكية" التي شارك في رئاستها ناي عام 2007. وفي هذا السياق، قالت اليوم مجلة "فورين بوليسي" الأميركية إنه ليس هناك من شك في أن جوانب السياسة الخارجية الأميركية الهامة (مثل المساعدات التنموية وبرامج المبادلة، والدبلوماسية) تحظى بأهمية. ثم تساءلت بقولها: لكنهم يشكلون جزءً من "القوة"؟ وإن كانت الإجابة لا، فهل هم بهذا "الذكاء"؟
وفي مقال نُشِر له مؤخراً بالمجلة، أوضح ناي أن خفض ميزانيات وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو إس ايد) يلحق بالفعل ضرراً بالغاً بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة ويحد كذلك من قدرة واشنطن على التأثير بشكل ايجابي على الأحداث في الخارج.
وأضاف "وتكون النتيجة نشوء سياسة خارجية تعتمد على عملاق دفاعي وعدد من الوزارات القزمة". ثم نوهت المجلة إلى النقاش المحتدم منذ عقود بشأن جدوى التبرعات والمساعدات التي تقدمها واشنطن لغيرها من الدول، وما هي الفائدة التي تعود عليها من ذلك. وقالت إن أكبر مستقبلي المساعدات الأميركية، وهم مصر وباكستان وأمثالهما، لم يكونوا أكثر انسجاماً مع القيم الأميركية من دول مشابهة تلقت قدراً قليلاً أو لم تتلق أي قدر من المساعدات الخارجية الأميركية.
ورغم التوصل إلى تلك النتيجة المفاجئة منذ سنوات، إلا أنها لا تزال صحيحة وحقيقية. وأكدت فورين بوليسي في هذا الشأن أن أكبر أربعة دول تتلقى مساعدات خارجية من الولايات المتحدة اليوم – وهي مصر وإسرائيل وباكستان وأفغانستان – تتخذ جميعها مواقفاً متناقضةً بشأن قضايا ذات أهمية حاسمة بالنسبة إلى البيت الأبيض.
ويبدو من ذلك أن النتيجة الختامية واضحة: وهي أن العلاقة بين قدرة الولايات المتحدة على التأثير بالإيجاب على الأحداث في الخارج، كما سبق وأن تحدث ناي، وبين كمية المساعدات الخارجية الأميركية التي تتلقاها أي من الدول هي علاقة غير واضحة في أحسن الأحوال.
فعلى مدار عقود الآن، تعتبر الولايات المتحدة هي المانحة رقم واحد فيما يتعلق بالمساعدات الأجنبية – وقد منحت معظم الأموال للدول الفقيرة. لكن ذلك لم يترجم إلى جعل أميركا الدولة الأكثر نفوذاً أو الأكثر شعبية حول العالم، بل أن العكس ما هو حصل تقريباً، على حسب ما ذكرته المجلة الأميركية.
ومع أنها أكثر الدول التي تتلقى مساعدات أميركية على مر العصور، إلا أن إسرائيل تصد واشنطن باستمرار بشأن العديد من القضايا الهامة المتعلقة بعلمية السلام. وهو ما يجعل من الصعب معرفة وتحديد شكل الشيء الذي يعيق قدرة الولايات المتحدة على التأثير بصورة إيجابية على الأحداث بالخارج، إذا قام الجمهوريون في الكونغرس بتقسيم المساعدات الخارجية لتلك الدول، كما أعرب ناي عن خشيته.
ورأت المجلة أن هذا الشيء قد يشبه الشكل الذي يبدو عليه اليوم. وبصراحة، قد لا يُشكِّل هذا الجانب من القوة الذكية، وهو المتعلق بالمساعدات الخارجية ( التي تصل إلى ما يقرب من 30 مليار دولار سنوياً ) الكثير من القوة على الإطلاق.
والسبب له علاقة بجوانب غريبة في الطبيعة البشرية. فإعطاء هدية لشخص ما يولِّد امتناناً أولياً. وفي المرة الثانية، تولد الهدية قدراً أقل من الامتنان. وبتكرار الأمر للمرة الثالثة، تصبح الهدية وكأنها حق ممنوح. وهو الأمر الذي لم يصب الهدف، بالنسبة لأنصار إستراتيجية "القوة الناعمة". وهنا، رأت المجلة أن المساعدات التنموية الاقتصادية ليست ذات صلة بالامتنان، بل أنها متعلقة أساساً بالتنمية الاقتصادية.