بسيسو والقصيدة التّحريضيّة بقلم رشدي الماضي

مراسل حيفا نت | 23/11/2020

بسيسو والقصيدة التّحريضيّة
رشدي الماضي
مصطلح “القصيدة التّحريضيّة” يفضي عادةً الى سؤال ينتظرهُ عَتبتُهُ: “الثّقافة الوطنيّة”.
لكن، بداية يجب أن نُسجِّل بأنَّ السؤال الذي يُشير بوضوح الى “الوطن” لا يكون واضحًا دائمًا، لأنَّ للثَّقافة معان مختلفة…
ويتحتَّم علينا ونحن نقول هذا، أن نورد ما تقترحُهُ “الثَّقافة الوطنيّة” تعريفا لذاتها: تعريفا مُفاده… بأنّها جملة الوقائع الوطنيّة العمليّة والآثار الشَّفهيَّة والمكتوبة التي يُعرِّف لها شعب معيَّن ذاتَهُ في مواجهة قوّة خارجية لا تريد أن تعترف بهِ..
وهنا، لا بدّ ونحن في هذا الصَّدد، أن نعود الى موضوع التقاء الشّعر بالثقافة الوطنيّة، خاصة في الحال الفلسطينيّ، حيث لعب الشِّعر، بقصيدتِهِ التّحريضيّة دورًا بارزًا تحريضيًّا ووطنيًّا بامتياز…
أقول قولي هذا، كي أعود الى شاعرنا، الذي ناداهُ صلاح جاهين: “يا معين يا صور الضّحايا، ارعد بصوتك معايا”…
كيف لا؟ ومعين بسيسو كان مأخوذًا بصورة “الشّعراء المقاتلين”، وقد كتب في مُنجزهِ “دفاتر فلسطينيّة”: “وجدت نفسي في جريدة “الملايين” الأسبوعيّة، كان رئيس التّحرير أحمد صادق عزّام وكانت “الملايين” صوت الحركة الديمقراطيّة للتّحرّر الوطني، أوّل مَنْ قدّم لي الشَّاعرين الفرنسيين – اراغون وايلوار – وكان الشّاعر فؤاد حداد، وحسن فؤاد وزهدي الرسامان المصريان قدما لي بيكاسو وصلاح جاهين…”.
لا يخفى على القارئ ببصر وبصيرة أنَّ السُّطور القليلة السَّابقة تخترق مفردات: الملايين، الديمقراطيّة، التّحرّر الوطني، الشِّعر وعالم الألوان، وعنوانه بيكاسو، الذي احتفظ ببطاقة الحزر الشّيوعي الفرنسي حتى رحل…
لكن، ما كان يقيق ويقضّ مضجع معيننا آنذاك، وما زال يُقلق القصيدة الصَّادقة موقفا اليوم، هو تحوّل الثقافة الوطنيّة الى جزء من أيديولوجيا سلطويّة، تختصر الوطني الى السُّلْطوي، وتنصب السُّلطوي مرجعا لكلّ اقتراح ثقافي…
ففي جولة سريعة في سوقِنا العربيّة الثقافيّة، نتعثّر، باستبداد مثقّف ماسخ أدمن المحاكاة البليدة – بقدر ما أدمن التَّصفيق للهزائم والتّصفيق الأكثر غبطةً للأطراف العربيّة واللاعربيّة التي هزمت وتهزم روح للمجتمع العربي وجسده…
لكنَّ شاعرنا، طيّب الله ثراه، آمن بـ”قوّة الكلمات” واحتفل بالكلمة الصّارخة الى تخوم التّقديس، ظلَّ يقول وعلى طريقتِهِ ليحيل الى موقع مختلف تماما، فجعل لقصيدتِهِ التّحريضيّة حَدّين هما: الخطر والمواجهة… فجاءَت دعوتُهُ صوتا عاليا يدعو الى التَّمرّد والتّحرّر والنّهضة…
معكَ، أيها الغائب الحاضر فينا سنردد ما سجّلتَهُ في مسرحيّتك “مأساة جيفارا”: مات جيفارا الأسطورة… قام جيفارا الإنسان”!!! مُبشّرا بالخير والفَرح لتظلَّ جزيرتك القادمة آخر حرف في القصيدة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *