الرجولة التي نريد بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 24/09/2020

الرجولة التي نريد

الشيخ رشاد أبو الهيجاء

إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

بداية لا نعني بالرجولة الذكورة انما اتباع للحق وثبات على طريق الأنبياء وقد رأينا وسنرى في حياتنا مواقف الرجولة عند بعض النساء كما اننا سنفقد هذه الصفة عند كثير من الذكور وما يحدد الرجولة هي الصدق والإخلاص وحسن الخلق ولذلك قيل عن ام المؤمنين عائشة أنها ( رجلة الرأي ) فالمرأة التي تمتاز بحكمة وعلم ورأي صواب على بصيرة وبينة لا تتحكم بها نوازع الهوى تكون كذلك ( رجلة الرأي ) فيها من صفات الرجولة ما فيها . والرجولة هي شيء نسبي يتفاوت به الناس حسب مواقفهم فمن شغلته ذكورته عن علو همته وانشغل بنزواته وشهواته لا ينسب الى الرجولة بشيء لذلك قال ربنا وهو يصف الرجال فقال ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) فصدقهم مع خالقهم جعلهم ينزلون المنزلة العظيمة عنده لثباتهم على مواقف الرجولة رغم تقلبات الدهر وهذا الثبات يكتب آثارهم بعد فراقهم لهذه الدنيا قال تعالى ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )ومن  خصائص الرجولة ان لا يرى المرء نفسه افضل من غيره بل يبقى متهما لنفسه بالتقصير سواءا بحق الله او حق العباد الامر الذي يجعله يتطلع الى العلو والرقي بأخلاقه وسلوكه لذا قالوا ( الرجولة بحق , ان يتصف المرء بما يتصف به الرجل , عادة ان ينصف ولا ينتصف , قبل أن يقول حقي كذا , يقول لأخي حق علي , وقبل أن يقول ظلمني يقول : أنا والله كنت أظلم , قبل أن يقول : لي عليه كذا يقول : علي كذا . وقبل أن يقول : حقي كذا . يقول الواجب علي كذا ) وقد جاءت الاخبار عن رسول الله أنه اذا دخل عليه المسافر وهو بين أصحابه لا يعرفه فيسأل أيكم محمد . فرجولته منعته من الاستعلاء والتكبر على اقرانه . بل تمر به امرأة فتراه جالس ويأكل فقالت : يجلس كما يجلس العبد , ويأكل كما يأكل العبد فكان رد الرجولة ( فنعم العبد أنا ) ويروى ان بعض اهل المكانة والفضل عندما يصعدون عرفات للصلاة والدعاء وهو موطن إجابة يخافون على الحجيج ان لا تنزل عليهم الرحمة لانهم بينهم لانهم يتهمون أنفسهم بالتقصير والذنب ولا يوجهون أصابع الاتهام الى الغير كما يفعل الكثير من الناس وكان من سلوك أصحاب رسول الله العجب حيث اذا مر العباس بن عبد المطلب بعمر بن الخطاب وابي بكر الصديق وهما من اكابر الصحابة كانا ينزلان عن دابتيهما تواضعا لعلم ابن عباس وقربه من رسول الله ولا يرون أنهم افضل منه ولا اجل , ولكننا اليوم لا نرى مثل هذا الاحترام والتقدير عند اغلب الناس فالأب ينادى باسمه والام كذلك والمعلم قد يخشى السير بين الناس خوفا من ان يتطاول عليه السفهاء ولكن الرجال الذين صدقوا يبرون آبائهم ويوقرون معلميهم ويحسنوا التدبير في بيوتهم ولسان حال احدهم ( وما ابرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا من رحم ربي ) وهذا يأخذنا الى القول بان الرجولة هي مواقف تجعل صاحبها يؤدي لكل ذي حق حقه كما قال رسول الله ( وإن لربك عليك حقا , ولنفسك عليك حقا , ولأهلك عليك حقا , فأعطي كل ذي حق حقه ) فالرجل يعرف حق ربه فيعبده ويطلب رضوانه ورحمته , ويعرف ان جسده امانة يجب ان يحفظها من هلاك الدنيا على قاعدة (ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة ) وقاعدة ( ولا تقتلوا أنفسكم ) وعلى قاعدة ( لا ضرر ولا ضرار ) ويعيش سهلا لينا طيبا بين اهله وأصحابه على أساس حديث رسول الله ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) , وكما بدأت حديثي هذا الخطاب للرجال ( الذكور ) ولصاحبات الهمة من النساء على حد سواء  فهم يعترفون بأخطائهم لعلمهم ( كل بني آدم خطاء , وخير الخطائين التوابون )رجولتهم تجعلهم يعترفون بأخطائهم ويبادرون الى اصلاح ما فسد على اثر ذلك , رجولتهم تجعلهم لا يتسرعون في الحكم على الناس ولا بإنزال العقوبة بالخلق مستعملين كل أنواع السلاح لزرع الخوف والفزع بقلوب العباد بل يرددون مع كتاب الله قوله تعالى ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ) وقوله تعالى ( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم ) فالرجولة تدفع لحفظ مصالح العباد هذا ما أدركته خديجة بنت خويلد زوجة رسول الله لما نزل عليه الوحي لأول مرة وعاد الى بيته يقول لها ( زملوني زملوني ) فلما هدأ روعه اخبر خديجة بما حصل معه قالت له : ( كلا والله لا يخزيك الله ابدا, انك لتصل الرحم , وتصدق الحديث , وتحمل الكل , وتقري الضعيف , وتعين على نوائب الحق ) فقد حددت معالم الرجولة بهذه الصفات , صلة الرحم , والصدق ,ومساعدة الضعيف , واطعام الفقراء وتكون عونا لمن ألمت بهم المصائب. فرجولة رسول الله لم تمنعه من ان يخصف نعله , ولا ان يحلب شاته , ولا ان يرقع ثوبه , ولا ان يدخل السرور على اهله فكنت تراه يسابق زوجته عائشة فتسبقه ثم يسابقها مرة أخرى فيسبقها فيقول لها ( هذه بتلك ) الرجولة هي التي جعلت نبي الله موسى بعد ان خرج من مصر خائفا يترقب لمكرهم به ويريدون قتله بعد ان قتل احد اتباع فرعون ان يظهر رجولته بمساعدة الفتيات قال تعالى ( وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتان تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير ) فما كان منه الا ان يزاحم الرعاة ويسقي لهما ويلجأ الى ظل شجرة ليقول ( رب إني لما أنزلت من خير فقي ) فيا شبابنا الرجولة اخلاص وعلم ومعرفة وعطاء وحب للخير ولين للجانب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *