الأمانة ضرورة شرعية وإنسانية بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 09/09/2020

الأمانة ضرورة شرعية وإنسانية

الشيخ رشاد أبو الهيجاء

إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

 

على أثر الحاح الكثير من الناس على ان اتناول هذا الموضوع للحاجة الماسة التي يرونها ولقناعتهم ان الأمانة ضاعت ولا يجدون الا اثرها اليسير عند البعض . وهذه القناعة أساس للفوضى التي تعم مجتمعنا العربي . فكما ان الايمان أساس للأخلاق الحسنة فإن الأمانة قرينة الايمان فلا اخلاق ولا قيم تحفظ عند ضياع الأمانة ولذلك عرفت الأمانة من الناحية الشرعية على انها تتناول جميع أوامر الشرع ونواهيه لقوله تعالى ( انا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا ) ويقصد في هذه الآية جميع اعمال العباد التعبدية الدينية , وحقوق العباد واماناتهم . فحفظ الأمانة صفة لازمة يجب ان تلازم العباد لقوله تعالى ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ) وقد فسرها العلماء بقولهم ( الأمانة هي كل ما استودعك الله . وامرك بحفظه , فيدخل فيها حفظ جوارحك من كل ما لا يرضي الله , وحفظ ما ائتمنت عليه من حقوق العباد ) وهذه القناعة عند الناس ساقتني الى حديث رسول الله الذي يقول فيه ( لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش , وقطيعة الرحم , وسوء المجاورة , وحتى يؤتمن الخائن ويخون الأمين ) فبعض مظاهر السلوك في حياتنا تنبه الى الحقيقة المرة وهي ان الناس يشيرون الى الخائن الذي اعتدى وظلم وباع ذمته وضميره على انه من الوجهاء الأمناء الذين يسر المرء بالقرب منه وفي المقابل يفرون من الأمين على أموالهم واعراضهم وحقوقهم فرار السليم من السقيم . ويأخذنا الى حديث رسول الله الذي يحذر فيه على ان من علامات الساعة ضياع الأمانة فقال ( ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه , فيظل أثرها مثل أثر الوكت ( الشيء اليسير من الجلد ), ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المجل , كجمر دحرجته على رجلك فنفط , فتراه منتبرا وليس فيه شيء , فيصبح الناس يتبايعون , فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة , فيقال : إن في بني فلان رجلا أمينا , ويقال للرجل : ما أعقله وما اظرفه وما اجلده , وما في قلبه مثقال حبة خردل من الايمان ) وهذا مؤشر الى مرحلة التمحيص التي يمر بها اهل ذلك الزمان الذي يؤكد رسول الله قدومه قال ( كيف بكم وبزمان يوشك أن يأتي يغربل الناس فيه غربلة , وتبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم , فاختلفوا , وكانوا هكذا – وشبك بين أصابعه – قالوا : كيف بنا يا رسول الله إذا كان ذلك ؟ قال ( تأخذون بما تعرفون , وتدعون ما تنكرون , وتقبلون على خاصتكم , وتذرون أمر عوامكم )  وكل ذلك يؤكد ان الأمانة امر لا بد ان يتعاهد بين الناس حتى لا يحق علينا القول ولا ينزل بنا البلاء , فعلينا ان نحفظ الامانات العامة والخاصة فالقاضي مؤتمن وعليه الحكم بالعدل والعامل مؤتمن على مال رب العمل وعيه ان يتقن عمله , والرجل مؤتمن على زوجته وأولاده والمرأة مؤتمنة على زوجها وأولادها , المدرس مؤتمن على طلابه ,صاحب الوظيفة مؤتمن على عمله . بر الولادين امانة  وغيرها وهي اكثر من ان تحصى لان الأمانة تدخل بكل مجالات الحياة فان ضاعت ضاع الدين والايمان لقول رسول الله ( لا ايمان لمن لا أمانة له , ولا دين لمن لا عهد له ) ومن هذا الفهم نسوق اليكم صورة من الامانات التي بينها رسول الله قال رسول الله ( المستشار مؤتمن ) أي اذا طلب منك احد الناس النصيحة او استشارك بأمره فعليك ان تشير عليه بما يعود عليه بالمصلحة الدنيوية وينفعه في آخرته , ولا يحق لك ان تنقل امره الى الناس ليتناقلونه بينهم لان امره امانة استودعك إياها وان لم يطلب منك ذلك قال رسول الله ( إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي امانة ) وقال ( إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ) ولهذا كان رسول الله لا يوكل المهام التي تحتاج الى قوة وصلابة لمن يمكن ان يضيع الأمانة لضعفه عن ابي ذر قال : قلت يا رسول الله الا تستعملني ؟ قال : فضرب بيده على منكبي ثم قال ( يا أبا ذر إنك ضعيف , وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة , إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها ) ويعنينا كثيرا ان من يتولى امر العامة ويتحمل مسؤولية الحفاظ على ممتلكاتهم ان يرعاها مثل الأوقاف فلا يحق لأي انسان ان يحولها كأنه ملك خاص , ومن أم قوم فهو مؤتمن على امامته لهم فإن خص نفسه بدعاء كان خائنا لمن خلفه والمؤذن مؤتمن على دخول وقت الصلاة ومثل هذه المهام عهد في رقبة القائم عليها قال رسول الله ( حسن العهد من الايمان ) وما يندى له الجبين ان من الناس من يخون العهد والميثاق الغليظ الذي قطعه على نفسه اما رجلا كان او امرأة حتى ان منهم من يفشي سر زوجته او المرأة تفشي سر زوجها وهذا السلوك من ابشع الخيانات قال رسول الله ( ان شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة : الرجل يفضي الى امرأته وتفضي اليه ثم ينشر سرها  وتنشر سره ) ولذا اذكر بقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله وتخونوا اماناتكم وأنتم تعلمون ) وقوله ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات الى أهلها ) واودعكم بدعاء رسول الله للمسافرين ( أستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *