الأضحى وبيت النبوة بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 29/07/2020

الأضحى وبيت النبوة

الشيخ رشاد أبو الهيجاء

إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

 

عندما نتحدث عن بيت النبوة والاضحى انما نتحدث عن القيم والأخلاق والإخلاص لوجه الله تعالى كما نتحدث عن العطاء الذي لا مثيل له , فها نحن نعيش اليوم اول أيام عيد الأضحى المبارك الذي يسمى يوم النحر قال تعالى ( إنا اعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر ) اهل الايمان يذبحون اضاحيهم اقتداء بإبراهيم واتباعا لسنة رسول الله وهذا العمل يوسع به المرء على اهله وعلى الفقراء والمساكين حتى لا تبقى الفرحة للأغنياء بل لتشمل الجميع مما يحول المجتمع الى مجتمع متحاب كما وصفه رسول الله ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) مع تحررهم من قيود الجاهلية لسان حالهم ومقالهم قوله تعالى ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك امرت وأنا اول المسلمين ) وهذا اليوم وهذه الاضاحي تجعلنا نقتدي بابي الأنبياء ابراهيم الذي جعله الله اسوة حسنة للناس كافة قال تعالى ( قد كانت لكم اسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ) هذا النبي الذي ضحى بكل شيء من اجل الله فقد ضحى بوطنه وضحى بنفسه وضحى بولده ولكن رحمة الله كانت تحرسه فخرج من كل كرب بفرج رباني . ضحى بوطنه حين تركه مهاجرا الى الله تاركا اهله وقومه وما يعبدون من دون الله بعد ان تحداهم في الهتهم فكسرها ( فراغ عليهم ضربا باليمين * فاقبلوا اليه يزفون * قال أتعبدون ما تنحتون * والله خلقكم وما تعملون * قالوا ابنوا له بنيانا فالقوه في الجحيم * فأرادوا به كيدا فجعلناهم الاسفلين ) جعلهم الله الاسفلين حين جاء امره الى النار التي من طبيعتها ان تحرق فقال لها ربنا ( يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ) فلما نجاه الله من النار ضحى بوطنه العراق وهاجر الى الأرض المقدسة التي بارك الله فيها للعالمين فقال إبراهيم (وقال إني ذاهب الى ربي سيهدين  * رب هب لي من الصالحين * فبشرناه بغلام حليم ) اكرمه الله بغلام بعد ان كبر سنه وكانت زوجته سارة عقيم والتي اشارت عليه بالزواج من هاجر التي انجبت له إسماعيل ولا شك انك تتخيل هذا الشيخ الكبير الذي كان به الشوق والحنين لمن يحمل اسمه ويعينه على نوائب الدهر فيأتيه الامر الأول بإبعاد هذا الصبي عنه فينطلق به من بلاد الشام الى بلاد الحجاز لينزله بمكان الكعبة التي يصفها إبراهيم وهو متوجه الى ربه بالدعاء وقلبه يتقطع لفراق ابنه ولكنه امر الله الذي لا بد ان ينفذ يقول ( ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم )الأرض جرداء لا يوجد فيها أي مقوم من مقومات الحياة فتسأله هاجر : يا إبراهيم آلله أمرك بها ؟ قال : نعم . قال : إذن ان الله لن يضيعنا . بيت المرأة طائعة لربها والأب طائع لربه يقين هذا البيت بالله كبير فلما نفذ الماء والطعام وجف البن اخذت هاجر تسعى بين الصفى والمروة لعلها تجد معينا لها فنزل جبريل فبحث بعقبه الأرض فانبثق الماء وفار فأخذت هاجر تزم التراب مكان النبع فشربت وسقت وليدها ودبت الحياة ببركة بيت النبوة في هذه البقعة المباركة قال رسول الله ( رحم الله ام إسماعيل لو تركت زمزم –او لو لم تغرف من زمزم – لكانت زمزم عينا معينا ) ومنذ ذلك الوقت وهي كما قال رسول الله ( انها لمباركة ( نبع زمزم ) هي طعام طعم , وشفاء سقم ) وتكررت زيارات إبراهيم الذي سكن بالقرب من بيت المقدس لابنه وفي احدى الزيارات يرى في المنام انه يذبح ابنه فاخذ يتروى لعلها وساوس الشيطان لذلك يسمى اليوم الثامن من ذي الحجة بيوم التروية وفي الليلة التي تليها رأى نفس الرؤيا فعرف انه امر الله وكان يومها على جبل عرفات فسمي ذلك اليوم بيوم عرفة . وهنا البلاء العظيم كيف سيخبر إبراهيم به ابنه ؟ولكن امر الله لا بد ان ينفذ وعلى ابن بيت النبوة فقال إبراهيم ( يا بني اني أرى في المنام اني اذبحك فانظر ماذا ترى ) لم يكن السؤال من اجل الخيار ولكن من اجل المشاركة بطاعة الله فقال ( يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين ) استسلام كامل يظهر من خلاله الإخلاص لله وبر الوالدين الذي ينقص مجتمعنا اليوم الا من رحم ربي وعندها تتدخل الإرادة الربانية التي تقول ان قتل البشر حرام ولو باسم الدين قال تعالى ( فلما اسلما وتله للجبين * وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين ) أي بما انك من المحسنين سنرفع عنك البلاء ( إن هذا لهو البلاء المبين * وفديناه بذبح عظيم ) فتضحيات إبراهيم عليه السلام قابلها ربنا بالعطاء والمن ليكون عبرة واسوة حسنة للخلق اجمعين ومنذ ذلك الحين بدلت عادات الجاهلية التي كانت تقرب القرابين للآلهة وأصبحت سنة إبراهيم تكافل اجتماعي بين الناس  تقرب فيها القرابين لله تعالى ليوسع المرء على نفسه وأهله وعياله وجيرانه والفقراء والمساكين تقدم بعد طاعة  أداء فريضة الحج لتغير عادات وتقاليد الناس يروى ان رسول الله لما قدم المدينة المنورة وجد أهلها ولهم يومان يلعبون فيهما فقال : ما هذا اليومان ؟ قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله ابدلكم بهما خير منهما : يوم الأضحى ويوم الفطر )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *