الكمال لله وحده! د. منعم حدّاد

مراسل حيفا نت | 23/06/2020

 

أوراق قديمة:

الكمال لله وحده!

د. منعم حدّاد

وتقول إحدى الروايات التي أوردها توفيق معمر في كتابه عن الظاهر عمر إن حاكم تبنة في عجلون بالأردن قيّد أحدهم بـ”لبش بطيخ” (غصن؟) وأرسله مسيرة يومين إلى أخيه عثمان الظاهر في شفاعمرو ليحاكمه، وكان البناءون يوشكون على الفراغ من بناء قلعة شفاعمرو، فلما أقبل الرجل ورآه البناءون كيف سار مسافة يومين دون أن يحلّ وثاقه “البطّيخي” ويهرب ورأته ابنة عثمان الظاهر أيضاً على هذه الحال صاحت بالبنائين أن توقفوا عن البناء فوراً فقد انتهى حكمك يا ظاهر وهو زائل لأنك بلغت النهاية وحدّ الكمال أو كدت تبلغه، وهذا لا يجوز لبشر، لأن “الكمال لله وحده”!

ومن الجائز أن تكون لبعض هذه الظواهر أسباب تاريخية أيضاً، فعن زرقاء اليمامة مثلاُ كانوا يقولون إنها ترى لمسيرة ثلاثة أيام…وذلك كما يبدو بسبب عينيها الزرقاوين الغريبتين عن محيطهما، حيث أن العيون الزرقاء ليست مألوفة لدى العرب الساميين الأقحاح، وليست من صفاتهم، فغرابتها إذن كانت السبب في أن ينسبوا القوة الخارقة لها، ونحن لا نعلم على وجه الدقّة إذا كانت زرقاء اليمامة ترى حقّاً لمسافة مسيرة ثلاثة أيام، أم أن هذه مجرد أسطورة نسجت وحيكت حول شخصيتها، لكنها أسطورة أوردها اكثر من مصدر من مصادر الأدب، ولا بدّ لكلّ أسطورة من نواة تاريخية حقيقية.

ونحن ما زلنا حتى اليوم نتشاءم من العين الزرقاء، القليلة الانتشار في مجتمعاتنا، وننسب لها القدرة على “إصابة العين” وإيذاء الآخرين، ويقولون عن الشخص “النحس” الذي يتشاءمون منه إنه “عيناه زرق، وأسنانه فرق!” فلون عينيه غير مألوف، وأسنانه ليست منتظمة وإنما متفرقة عن بعضها البعض، وهذا خلل وعيب وتشويه!

ولا يحدث هذا العيب إلا بسبب خطيئة سابقة قد ارتكبت، أو عقاباً لصاحب هذه العلامات الفارقة فرضته عليه القوى الغيبية الخفية لسبب ما!

أما أفضل الطرق التي نتّقي بواسطتها شر أمثال هذا الذي يصيب بالعين وعيناه مؤذيتان فهي الابتعاد عنه وتجنّبه، والأفضل ألا نراه البتّة!

أما إذا حدث وصادفناه في طريقنا، فوسائل الوقاية كثيرة ومتنوّعة، منها أننا حالما نلمحه من بعيد أن نقفل راجعين لكي لا نمرّ به!

وإذا لم يكن بدّ من ذلك، فنتّقي شرّه بذكر اسم الله سبحانه وتعالى أو اسم نبيّ أو قدّيس أو شفيع، أو تلاوة بعض الصلوات والآيات المقدسة، لاتّقاء شرّ هذا الشؤم المنحوس والناحس، وما دمنا نعرف القول “درهم وقاية خير من قنطار علاج!”، فلماذا لا نبادر إلى إعداد العدّة مسبقاً، واتّخاذ الحيطة سلفاً، فنتسلّح بقطعة قماش زرقاء اللون، (“ولا يفلّ الحديد إلى الحديد!”) وهذه كفيلة بردّ أذى الشؤم عنّا؟

والعين التي تحسد إنما تعكس  – حسب اعتقاد معيّن وتفسير “علميّ” معين –  شعاعاً معيناً بعد أن تمتصّ الجزء الأكبر من ألوان الطيف، وتكتسب اللون الأزرق من هذا الشعاع الذي تعكسه (كما يحصل عند اختراق أشعة الشمس لغلاف الكرة الأرضية)، وهو شعاع ضارّ ومؤذٍ، يجب أن نتّقيه بلون عاكس من لونه نفسه، أو بلون لامع برّاق ناصع آخر، كالمرآة مثلاً، أو قشرة البيض البيضاء اللون أو سواهما.

ويرى الفولكلوريّون أن ردّ أذى العين بموادّ مصقولة أو لامعة أو برّاقة إن هو إلا عملية سحر عكسيّ أو معاكس COUNTER MAGIC   تهدف إلى إبطال سحر العين الزرقاء!

بالإضافة إلى ذلك فوسائل الوقاية متعددة ومتنوعة، منها مثلاً حذوة الحصان، وهي الشكل الذي رشّ مثله الملاك الدم على أبواب منازل بني إسرائيل في مصر، ليلة هبط من السماء ليقتل بكور المصريين، فكان شكل الحذوة علامة مميزة لبيوت بني إسرائيل ليتخطّاها الملاك ولا يؤذي من فيها، فأصبحت الحذوة منذ ذلك الحين وسيلة للوقاية والحماية والعلاج.

كما أن هناك الكثير من التمائم والأحجبة والتعاويذ السحرية (غير الدينية) التي تستعمل هذا الغرض!

هذا في شرقنا، حيث تندر العيون الزرقاء!

أما في شمال وغرب أوروبا، على ذمّة الباحث ألكزاندار هجرتي كراب، فيتفاءلون بالعيون الزرق، ويتشاءمون من العيون السود والبنية اللون، لسبب تاريخي محض!

فكما يقول فقد أغارت شعوب حوض البحر المتوسط (العرب؟) على تلك الأصقاع وخلّفت وراءها الدمار والخراب والقتل، وكان لون عيون هؤلاء الغزاة اللون الأسود والبني، ومن يومها راح الناس يتشاءمون بهذه العيون السوداء والبنية اللون ويرون فيها نذير شؤم وشرّ!

والمعتقدات كثيرة جداً، وأكثر منها وسائل الوقاية وطرق العلاج، وهي تملأ مجلّدات ضخمة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *