مطانس فرح
كعادتي، ولسبب تنقّلاتي العديدة، وعدم حيازتي رخصة سياقة، كثيرًا ما أستخدم المواصلات بأنواعها وأشكالها المختلفة كوسيلة تنقّل، كي تَقِلّني من مكان إلى آخر. فيوم الأحد الأخير، وأنا في طريقي من ساحة الحناطير إلى مِنْطقة الـ«هدار»، قرّرت أن أركب الـ«كرميليت» (القطار الأرضيّ)، فدخلت محطة الـ«كرميليت» مسرعًا، مرتديًا بدلة رياضيّة زرقاء، وحاملاً على ظهري حقيبة سوداء، وواضعًا نظّارات شمس تقي عينيّ، وقبّعة تعلو رأسي.
لم أكن حليق الذِّقن.. فأثرت شكوك الحارس الأمنيّ، فاستوقفني مستفسرًا، بدايةً، حول ما إذا كنت أحمل أيّ نوع من السلاح؟ فأجبته بالنّفي، مبتسمًا. فسألني: لماذا تَبتسم؟ فأجبته: من باب الأدب، فقط. فطلب منّي فتح حقيبتي السوداء لهدف التفتيش، فلم أُعِر ذلك أيّ اهتمام خاصّ؛ فهذا الحارس الأمني يقوم بمهامّه.. إلاّ أنه – وخلال «بحثه» داخل حقيبتي عن أيّ جسم مشبوه، تخوّفًا من أن أكون حاملاً لشيءٍ ما قد يشكّل خطرًا على أمن المسافرين! – مرّ شابّان، يحمل كلّ منهما حقيبة، إحداهما سوداء اللّون داكنه تثير الرُّعب والشُّبُهات لمجرّد النظر إليها، أكثر من تلك الحقيبة التي كانت معي. وهذا الشابّ ذو البشرة البيضاء، والذي كان يتحدّث العبريّة إلى الشابّ الآخر، توقّف إلى جانب الحارس الأمنيّ بانتظار دوره في التفتيش. نظر إليه الحارس، ابتسم، وأشار إليه بيده طالبًا منه العبور، من دون تفتيشه أو حتّى سؤاله حول ما إذا كان يحمل أيّ نوع من السلاح! وبعد أن أنهى الحارس الأمنيّ – «الأمين» على أداء مهامّه – تفتيشه لحقيبتي، ابتسم وتمنّى لي رحلة سعيدة في الـ«كرميليت».
كان واضحًا أن عمليّة التفتيش تتمّ بصورة انتقائيّة واختياريّة، ووَفق معايير خاصّة. فكلّ مسافر يتحدّث العربيّة أو من أصول شرقيّة، أو ذي بشرة سمراء داكنة؛ أو كلّ امرأة منقَّبة، أو شابّ مُلْتَحٍ، هو أو هي بمثابة قنبلة موقوتة تثير شكوك رجال الأمن والحراسة، وتقضّ مضاجع المسافرين.
وقد أثار فضولي هذا التصرّف، والتفتيش الانتقائيّ الذي قام به الحارس الأمنيّ، فقرّرت العودة، في اليوم التالي وفي الميعاد نفسه، مرتديًا البدلة الرياضيّة الزرقاء ذاتها، وواضعًا النظّارات الشمسيّة والقبّعة، وحاملاً على ظهري حقيبتي السوداء ذاتها، أيضًا، قاصدًا الـ«هدار» من مِنْطقة ساحة الحناطير. دخلت محطة الـ«كرميليت» مُسرعًا، وقد حاولت أن تكون السرعة كسرعتي بالأمس، أيضًا، محاولاً إثارة الانتباه. وصلت إلى جانب الحارس الأمنيّ، وقفت كي أفتح حقيبتي لهدف التفتيش، وإذ به يُشير إليّ بيده بالعبور من دون أن يسألني شيئًا أو يستفسر عن شيء، لأنّني، هذه المرّة، كنت حليق الذِّقْن..!! وصدفةً، استوقف الحارس، بدلاً منّي، هذه المرّة، شابًّا من أصول شرقيّة، وقام بتفتيش حقيبته.. ابتسمت بدوري، وتابعت طريقي.
إن هذا التصرّف من قبَل رجال الأمن في المرافق والأماكن المختلفة، يؤكّد، مجددًا، سياسة التفتيش الاختياريّة (سلكتيڤيت)، والعنصريّة المتّبعة.. فلِمَ لا يكون التفتيش ساري المفعول على جميع المسافرين (في هذه الحالة)، من دون تمييز عِرْقيّ، وإلاّ، فلا حاجة للتفتيش، أصلاً؟! وإذا كان الهدف من وراء التفتيش ضمان سلامة المسافرين وأمنهم، فما الذي يضمن لي سلامتي وأمني خلال سفري في الـ«كرميليت»، عندما يمرّ مسافر شابّ من أصول روسيّة مثلاً، قد يحمل في حيازته خنجرًا، أو جنديّ يحمل بندقيّة، أو مجرّد مسافر آخر..؟! فأمثال ناتان زادا، وباروخ چولدشطاين وغيرهما في ازدياد.. لقد سمعنا، مؤخّرًا، عبر وسائل الإعلام المختلفة عن عصابات عنصريّة متطرفّة تقوم بالاعتداء على العرب لمجرّد كونهم عربًا، لا أكثر ولا أقلّ.. هذا غير المظاهرات الأخيرة العنصريّة والمحرّضة المطالِبة بإبعاد العرب عن أماكن وجود اليهود، إضافة إلى المنشور الذي وقّعه كبار الحاخامات في إسرائيل، والذي يُمنع بموجبه بيع بيوت للعرب أو إيجارها، وغيرها.. و«الحَبِل عَالْجَرّار»! فمَن باعتقادكم يشكّل خطرًا على أمن المسافرين، أنا – صاحب الحقيبة السوداء، أم كلّ أولئك المتطرّفين المحرِّضين الذين يمرّون من دون تفتيش، والذين يشكّلون خطرًا كبيرًا، ليس على أمن المسافرين وسلامتهم فحسْب، بل على «سلامة» وأمن الدولة..؟! فالحَمَلات التحريضيّة ضدّ العرب بدأت بالزحف، مؤخّرًا، والاقتراب من مشارف حيفا، أيضًا، إن لم تكن قد تجاوزتها ودخلت مدينتا..! فهل سنسمع، قريبًا، تلك الأصوات العنصرية والمحرّضة تُلَعْلِع في مدينتا؟ وهل سنشهد مظاهرات تهدف كذلك إلى التحريض والقذف، مظاهرات عنصرية؟! أم أنّ «التعايش» الزائف سينقذ الموقف؟!
(حيفا)
تفتيش اختياريّ (سلكتيڤي)
مراسل حيفا نت | 27/12/2010




