مجيدٌ ميلادُك يا سيّد!

مراسل حيفا نت | 23/12/2019

مجيدٌ ميلادُك يا سيّد!

د. منعم حدّاد

مجيد ميلادك يا سيّد!

بميلادك، يا سيّد، أشرق نور المعرفة الحقيقيّ للعالم!

أشرق بميلادك نور المعرفة للعالم قبل ألفي عام، ليبدّد ظلمة الأجيال والقرون، فكان لهيب شمعة تصارع الظلام الدامس المطبق من كلّ صوب على نورها ليخنقه!

وانتصرت الشمعة وانتشر نورها قاهراً الظلمات.

ومرّت العقود والقرون فازداد النور بريقاً ووهجاً ولمعاناً وإشعاعاً!

واكتشف الناس الكهرباء واخترعوا المصابيح الكهربائية فراحوا يلوّنون النور الذي بعثته بميلادك بالأنوار الملوّنة اللألاءة مظهراً والخاوية الخالية جوهراً ومخبراً!

وتضاءل النور الذي انبثق عن قدومك المجيد، يا سيّد، شيئاً فشيئاً، وسيطر عليه أو كاد النور الاصطناعي الباهت الشاحب، فغدا بلاستيكياً، جسداً بلا روح ولا فرح ولا بهجة، لأن عابدي النور الاصطناعي أعجز من أن يدركوا النور السماوي الإلهي المنبثق مع قدومك، أو أن يصنعوا مثله!

منحت الإنسان النور الإلهيّ فسخّره لخدمته ولخدمة أنانيته ووصوليته وانتهازيته وتسلّقه، وسرعان ما عاث فيه الفساد وأفسده.

هل أصابك يا سيّدي مع الإنسان ما أصاب أشعيا النبي مع كرمه الذي غرسه وخدمه ورعاه فخيّب أمله ولم يثمر كما كان يرجو منه، تماماً مثله مثل الشعب الذي خاب أمل أشعيا فيه، مع الفارق بينكما، فهو أشعيا، وأنت السيّد له المجد؟

أجل يا سيّد، حتى الساجدين للكواكب تعلّموا بميلادك من الكوكب السجود لك يا شمس العدل، وتحوّلوا عن السجود لكواكبهم هم ليسجدوا لمقدمك أنت!

وليس هذا التحوّل إلا لأنك أنت شمس العدل، حيث انتشر العدل بميلادك في كلّ رياح الأرض، في مشارق الدنيا ومغاربها!

وقُرّت العيون بالعدل، ونُصب ميزان العدل، وتسابق الناس إلى العدل.

وما هي إلا طرفة عين أو “شربة سيجارة”…

إذ استيقظوا ذات صباح ليجدوا أن كلّ العدل قد تغيّر “ما بين طرفة عين وانتباهتها”، وسمعوا جبران الذي نادى وكرز وكأنه رسول الأرز الساعي للحاق بركب السابقين من الرّسل “يندب ويولول” في “المواكب”:

والعدل في الأرض يبكي الجن لو سمعوا

به ويستضحك الأموات لو نظروا!

وأصبح عدلهم الذي منحتهم إياه ثلجاً “إن رأته الشمس ذاب” كما كانت الضمائر المتشبّهة بضمائر الرسل تولول، تلك ضمائر المؤمنين، لأنّك جئت من مشارق العلوّ يا سيّد لتعلّم الناس العدل، وها هي تصرخ فيهم مؤنبةً موبّخةً لأن هؤلاء القيّمين على العدل للوهلة الأولى أفرغوه من مضامينه، وأبقوه اسماً دون مسمّى، وخلّوه خاوياً، أجوف، دون محتوى ودون مضمون، وجعلوه خراباً خلاء كالأرض قبل أن يخلق الله العالم.

أما الأشدّ إيلاماً يا سيّد فهو أنّهم يدّعون زوراً وبهتاناً طبعاً أنّهم يفعلون ما يفعلون باسمك ولأجل اسمك وبتفويض منك، رغم أنّك منهم براء، وأنّ اسمك أسمى من أن يدنّسوه بآثامهم.

إنّهم يرتكبون المعاصي والآثام يا سيّد ويزعمون أنهم يفعلون ذلك باسمك!

يقتلون القتيل ويسيرون في جنازته ويزعمون أنهم يفعلون ذلك باسمك لكي يصل القتيل إلى ملكوتك!

يفرّقون بين الزوج وزوجته ويزعمون أنهم يفعلون ذلك لترسيخ اسمك في القلوب!

يمزّقون الأُسر وينتزعون الأطفال الرّضع من أحضان ذويهم مقابل الذهب اللعين ويزعمون أنك منحتهم سلطاناً ليقوموا بذلك!

يدّنسون الطُّهر والنقاء ببغائهم وبدنسهم ويزعمون أنهم إنّما يفعلون ذلك لأنّك غفرت للزانية!

وأنت، هل حقّاً غفرت للزانية يا سيّد؟

أم أنّك أردت أن تحول دون رجمها من قبل أناس خطاة أشدّ دعارة وفجوراً منها، نصّبوا أنفسهم قضاة عدل وهم غارقون إلى ما فوق آذانهم في حمأ الخطيئة المسنون وفي الرجس والدنس؟

وهل قصدت أن تغفر للزانية أم قصدت أن تمنع القتل معرّضاً بالذي يرى القشة في عين سواه ولا يرى الخشبة في عينه هو؟ منتقداً الخطاة الأثمة الذين يدّعون امتلاك سلطة محاسبة من هم أقلّ منهم إثماً؟

يمارسون قانون الغاب وشريعة الافتراس والرشوة والفساد ويزعمون أنهم يقضون بالعدل وبقانون لم يرَهُ أحد!

من يومها يا سيّد راحوا يصفحون للزناة ويشجعون بذلك على الزنى لغايات في نفوسهم!

وينسبون كلّ ذلك إلى اسمك المجيد الطاهر النقيّ!

واسمك السماء والمجد والعدل والنور والحقّ والرحمة، والطهر والنقاء والفضيلة، وهم الخطيئة والإثم والدنس والرجس كلّها مجتمعة!

وزعموا أنهم يملكون سلطة وسلطاناً، مُنحوهما من لدنك، ويفرضونهما على الرقاب فرضاً، ويُكرهون الناس على القبول بهما إكراهاً، وأنت أوّل داعية سلام ورسول محبّة ونابذ عنف، والذي قال لأحد الذين كانوا معك قبيل تسليمك على يدي يهوذا الإسخريوطي و”استلّ سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه” وبالحرف الواحد قلت له: “ردّ سيفك إلى مكانه، لأنّ كلّ الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون”!

أنت يا سيّدي رسول سلام ومحبّة!

أما هؤلاء فرجال فرض وعنف وتخويف وعتاب وثواب وعقاب!

أنت تدعو إلى الخير حبّاً بالخير، وهم يُرهبون بالخوف ويهدّدون بالعقاب والعذاب!

وشتّان بين من يسير في درب معيّن فرضاً وإرغاماً، وبين من يسير فيه رعباً وهلعاً، وبين من يسير فيه سعادة وسكينة وطمأنينة!

فرحماك يا سيّد!

وترى، ألم يحن وقت عودتك من جديد؟

ألم يأزف بعد مجيئك التالي؟

ألعلّك تولد من جديد هنا؟

أو على الأقل لكي يولد الإيمان الحقيقي الصحيح بك مجدّداً!   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *