مقدّمة “ديوان فلسطيني”

مراسل حيفا نت | 28/10/2019

مقدّمة “ديوان فلسطيني”

د. منعم حدّاد

ونستعرض فيما يلي أهمّ ما كتبه غوستاف هيرمان دالمان في مقدمة كتابه “ديوان فلسطيني” الذي جمع فيه الأغاني الشعبية من فلسطين ولبنان وسوريا والأردن والعراق وكتبها بحروف ألمانية وبلغة عربية عامية ونشره عام 1901 وكما لخّصه لنا أساتذة يجيدون اللغة الألمانية:

ويرى دالمان أن هذه الأغاني تنبع من عادات سكان فلسطين ومن أفكارهم (صفحة 5)، ويشير إلى سيطرة الحضارتين اليونانية والرومانية على حضارة الشرق في الماضي البعيد، ثم إلى ارتفاع شأن الحضارة العربية فيه، والتي جعلت الحياة أقلّ تعقيداً وأقرب إلى البساطة، وينفي علاقة هذا التراث بالتراث التوراتي، ويشير إلى سرعة انتشار الحضارة الأوروبية في فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر.

وهو يجمع الأغاني الشعبية لأنها تستوعب الثقافة العربية وتعبّر عنها، وللشعب الفلسطيني حياة فكرية لا تتوفّر لدى أيّ شعب آخر، خاصّة في لغة التخاطب وفي القصص المرويّة، والحكم المختارة، والأغاني الذائعة والمنتشرة “من فم إلى فم” (صفحة 6)، فالغناء يرافق حياة الفلسطينيين من المهد إلى اللحد (صفحة 7)، والفلسطينيون يغنّون أثناء العمل، واحتفالات الزفاف، وحتى على فراش الموت، وفي أوقات الحرب والسلم (صفحة 7).

و”الكتاب ليس كتاباً ظريفاً للمطالعة…بل وسيلة للتحصيل يعتمد عليها الطلاب أثناء دراستهم اللغة العربية” (صفحة 7).

وسمع دالمان الأغاني وسجّلها من رواة عديدين وفي أماكن شتّى من فلسطين والبلدان المجاورة، منهم مثلاً: من القدس: النجار دانيال ابراهيم، وينتمي إلى عائلة عربية مسيحية أورثوذوكسيّة تعود بنسبها إلى الجليل (صفحة 8)، ومن سيّدة  تقيم في نزل تابع لإحدى الجمعيات الخيرية التبشيرية، “يستضيف” المرضى ومعظمهم من الفلاحين، ومن أحد رجال الكنيسة البروتستانتية، وهو السيد بشارة كنعان من بيت جالا (توفي عام 1892)،ومن “السّتّ” إليزابيث بندر من الناصرة، والتقى بها دالمان في مدينة صفد، ومن المعلم ف. قربان من طبريا.

وكذلك من إحدى الفلاحات الشابات من مأدبا في شرقي الأردن، ومن امرأة بدوية أردنية تقع “ديرة” قبيلتها ما بين جبل نبو ونبع موسى في الأردن، ومن بعض أهالي عَمّان، ومن رواة التقى بهم في ظلّ شجرة وارفة الظلال على قمّة جبل يوشع، وعند نهر Gadur قرب السلط، ومن أحد الرعاة الذين التقى بهم في Wadi-ssalihi.

وأسهم في استكمال الأغاني وتفسيرها وشرحها المعلم فرح تابري، وساعده في الحصن الأردنية المعلم الياس الفار.

وفي حوران جمع أغاني الحصادين وأغاني البدو من المنطقة الواقعة بين Zerakijje  بين Inchil  وبين دمشق الشام (صفحة 9).

وكان سهل مرج عيون في جنوب لبنان مسرحاً لنشاطاته الميدانية، فسجّل الأغاني في المنطقة الواقعة بين نهري الليطاني والحاصباني، وأقام لمدّة شهرين في منزل فارس صبحية، شيخ قرية  Balat حيث تقع (القريتان) جديّدة أبو قمحة عند أقدام جبل الشيخ (أو حرمون)، وكذلك في بلدة الخيام، عند الجمّال الماروني خيرالله، والمتوالي علي، ومن بحّارة مسلمين في صيدا (صفحة 9).

وقضى تسعة شهور في ضيافة أصدقائه القسّ وملفيلا كريستي في حلب بسوريا، حيث سجّل الأغاني من تلاميذ المدارس وفي الحمّامات، ومن البدوي حميد بن صالح من قبيلة Schahir ، واصطاف في مضارب البدو في  Helan، وقضى الشتاء في مغارة بين Helan وبين حلب، وسجّل الأغاني أيضاً من صديقه أحمد أميري من حلب (صفحة 9).

وعاد فالتقى في صيدا بمعلم يعود أصله إلى قرية Balat هو المعلم الواعظ حبيب صبحية.

وساعده السيد داود سجعان، من مطلة الشوف في جنوب لبنان في مراجعة الموادّ، عندما كان هذا الأخير في برلين… كما ساعده أيضاً الباحث المعروف ألبرت سوسين…

ويرى أن الأغاني المنتشرة في المدن والقرى والمناطق البدوية ذات منشأ غامض ومجهول، وأصول جزء صغير منها فقط معروفة.

والأغاني التي سجّلها سبق أن سمعها في الريف والمدينة، ولدى البدو وفي البراري، ومن المسيحيين والمسلمين واليهود، لذا فهي تعبر عن الجميع…

وتشير مضامين الأغاني إلى أن بعضها بدويّ وبعضها قرويّ ريفيّ، وبعضها مدينيّ، وثمّ أغاني الحصاد، وأغاني الحرب، والتهاليل، والغزل، والزفاف، وهناك الأغاني الطويلة المفرطة في الطول، والأغاني القصيرة، والقصيرة جدّاً.

والخريف هو خير موعد للزفاف، لأن الفلاح يكون قد جمع غلال أرضه، وحصل على ما يلزمه من مال من أجل الزواج.

وكثيراً ما يكرّس المغنّي جُلَّ أغانيه لمحبوبته، خاصّة إذا نأت عنه، والنساء يتغنّين بالحبّ العفيف الطاهر ويغنّين له!

وتبرز المضامين الوطنية في هذا الغناء الشعبي، وأغاني الترحال والسفر، وما يُفتقد ولا وجود له هو الغناء للسلطان أو الغناء المؤيد له!

كما يبرز بجلاء ووضوح حبّ الإنسان الشرقيّ لأرضه ووطنه وتعلّقه بهما، ويتأثّر إلى حدّ العشق بمائهما ونباتهما وترابهما ومروجهما ومناظرهما الخلابة وبلياليهما المقمرة.

ويتذكّر المغنّي محبوبته التي يذوب شوقاً وحنيناً إليها!

ولشعر الطبيعة وجه ظاهر يتغنّى بالطبيعة وجمالها، ووجه خفيّ باطن يتغنّى بالمحبوب، الذي يمثّله كلّ ما في الطبيعة من سحر وجمال وفتنة.

ويشير دالمان إلى بحور الشعر السِّتة عشر، ويدّعي أن الشعر العربي غالباً ما لا يلتزم بعدد المقاطع أو بالقوافي، ثمّ يذكر من الغناء الشعبي: القصيدة، الموّال، الـ Halaba، المطلوع، Gaidijje (صفحة 16)، الزجل، ألـ “حنيّنا”، الترويد، الحداء، Hadi (صفحة 19)، الشوباش، الجلوة، الزلغوطة، Imlala ، الـ Mtauwaha (صفحة 20)،التحنين، الغنا…(صفحة 21).

فالقصيدة، يقول دالمان، هي شكل حديث من أشكال القصيدة الكلاسيكية، والموّال مصري وبغدادي، والعتابا غناء فرديّ يشبه الـHalaba، وفي المطلوع عدّة مقاطع، والجاعدية كالمطلوع في مرج عيون في جنوب لبنان.

والزجل هو أكثر الأغاني الشعبية انتشاراً في المدن، وهو منظوم ويناسب الرقص والدبكة عند الفلاحين والبدو، وهناك المعنّى، وعَ الموليّا، وأوف ماني… وأوف زينو…ويا هويدلي…

والترويدة تغنيها الفلاحات للعروس، والحداء يغنيه الجمّالة” وقادة القوافل، و”الحادي” غناء الحرب عند البدو، والشوباش صيحة النداء، والجلوة أغنية تلبيس العروس، والزلغوطة أغنية نسائية، والـ Imlala   تنتشر في منطقة القدس، تغنّى في كروم العنب، وتغنّي البدويات “المطاوحة” خلال احتفالات الزفاف، ويودعون الحجاج بالـ”التحنين” الجماعية الأداء، والندب على المتوفى، و”الغنا” اسم شامل لجميع ما ينظمه القرويون وأهل المدينة على نمط بيوت مقسمة ومقفّاة…

وهناك شعر متحرّر من القوالب الكلاسيكية ولا يلتزم بمقاطع وقوافٍ، وينتشر في أغاني الألعاب، وأغاني الأطفال والحصّادين، والنداءات على المفقودين.

ويشير دالمان إلى أنّه دوّن الأغاني باللغة المحكيّة العامّيّة دون الاكتراث للوزن أو الإيقاع، ويُكثر من التركيز على الكمّ والشكل وعدد الأبيات والشطرات والمقارنة بينها.

ويستعرض ألحان الأغاني والموسيقى لدى البدو والفلاحين وسكان المدن، ويقارنها بالموسيقى العربية الكلاسيكية، ويردّها إلى أصول تركية وأصول كنسية، ويشير إلى دراسات المستشرقين السابقين، ويتحدث عن الارتجال والإبداع والغناء الفردي والجماعي، وعن الأدوات الموسيقية المستعملة في المدن، كالقانون و”الكمنجة” والعود والدفّ والدربكة والمندولين(!) والربابة التي يستعملها الفلاحون ولا يستغنون عنها.

ويفرد باباً للغة ويشرح كيفية تدوين اللغة العربية العامّيّة بحروف ألمانية، وكيف تغلّب على المشاكل معتمداً تارة على “دليل الألفاظ العربية” لهارتمان، وعلى ما تفتّقت عنه قريحته تارة أخرى، مستعيناً بعلم الأصوات اللغوية Phonology كما كان في زمانه، ومستعرضاً الاختلافات والفروق في لفظ بعض الحروف بين سكان المناطق المختلفة، حيث يلفظون القاف كافاً أو همزة…أو ربما “تشافاً”… وحيث تقلب الظاء والذال والثاء زاياً…أو تتحوّل إلى دال أحياناً…

هذا، باختصار الشديد، ملخصّ لمضمون أهمّ ما جاء في هذه المقدمة الضافية الشاملة، والتي وضعت أصلاً للأجانب الذين يرغبون في دراسة اللغة العربية، والتعرّف على لغة البلاد وأهلها من خلال دراسة هذه اللغة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *