جمهورية نتنياهو

مراسل حيفا نت | 02/06/2019

جمهورية نتنياهو

عفيف شليوط

ما يجري في هذه الأيام لدى صانعي القرار السياسي في اسرائيل، وصل الى أقذر ما يمكن أن يصله أيّ شخص في موقع صنع القرار في العالم. وهنا لا أتحدث عن نتنياهو فقط، بل عن معظم قادة الأحزاب الاسرائيلية، الذين يتعاملون مع الأمور من منطلق ربح وخسارة، لهم كأشخاص وربما لحزبهم في أفضل الأحوال.

التجاوزات المتكررة لكل ما يتعلق بالصالح العام أصبح في خبر كان، فاليوم رئيس الحكومة الاسرائيلية لا يتورع عن القيام بأي عمل من أجل حماية مصالحه الشخصيّة، حلّ الحكومة، حل الكنيست، التحالف مع كل حزب يعلن الولاء له ويمرر مخططاته. والغالبية تنصاع لأوامره وتنفّذ تعليماته من أجل المحافظة على مصالحها، فلغة المصلحة هي المهيمنة، لا نقاش أيديولوجي، لا قيم، لا مبادىء. رؤساء الأحزاب المرشحة للمشاركة في ائتلاف حكومة يمينية متطرفة برئاسة نتنياهو يوافقون على حل الكنيست والتوجه الى انتخابات مبكرة. والأقذر من كل هذا التهمة التي وجهها نتنياهو لليبرمان، وأنا هنا لستُ بصدد الدفاع عن ليبرلمان، إنما أن يوجه نتنياهو وبأسلوب درامي أن ليبرمان لم يعد حزبًا يمينيًا لأنه رفض الانصياع لنتنياهو، فاليمين في اسرائيل هو نتنياهو ونتنياهو هو اليمين، ووجه نتنياهو “تهمة” بأنّ ليبرمان أصبح حزبًا يساريًا، وكأنّ اليسار تهمة أو أمرًا مقززًا.

ما هذا التحريض الذي لا ينتهي لدى نتنياهو، تارة يحرّض على العرب، وتارة أخرى على اليسار، ومن ضمن “اشراقاته” في التحريض بأن هاجم تحالف حزب “مناعة لاسرائيل” برئاسة بيني غانتس، وحزب “يش عتيد” برئاسة يائير لبيد، والتهمة هذه المرّة أن هذا التحالف بين الحزبين المذكورين الذي أطلق عليه “أزرق أبيض” (كحول لفان)، سيعتمد على “جسم مانع” من الأحزاب العربية. ووصف نتنياهو الشخصيات العسكرية في تحالف “أزرق أبيض” بالجنرالات اليساريين، ونحن نعلم وقع العسكري على الناخب الاسرائيلي، الا أن نتنياهو يلصق تهمة اليسار على كل من لا يتفق معه، واليسار بالنسبة له التعاون مع القوائم العربية، وهذا التعاون بالنسبة له يشكل خطرًا على الدولة.

كما لا يفوّت نتنياهو أي فرصة من أجل التحريض ضد المواطنين العرب، مثل “العرب يتدفقون” و”اتفاقية أوسلو مرّت بفضل أصوات العرب”، كما لم يتورع عن وصف المجتمع العربي الأصلاني في النقب بأنّه “الجنوب المتوحش”. فدائمًا عندما يواجه نتنياهو متاعب سياسية، يلجأ الى التحريض على العرب ولدب الرعب لدى الناخب اليهودي من “الخطر العربي”.

يتساءل البعض، لماذا لم يقم رئيس الدولة رؤوفين ريفلين بتكليف شخص آخر لتشكيل حكومة، بعد فشل نتنياهو بتأليف حكومة، مثل بني جانتس، فقد حصل حزبه على عدد المقاعد التي حصل عليها حزب الليكود برئاسة نتنياهو. قانون حل الكنيست ينص على ما يلي: في حال عدم نجاح عضو كنيست مكلّف بتأليف حكومة بهذه المهمة، يحق لرئيس الدولة أن يكلّف عضو كنيست آخر، إلا إذا تم حل الكنيست، كما حصل بالفعل مساء أمس الأول، الاربعاء، ففي هذه الحالة تتوقف عملية تشكيل الحكومة.

هنا، واضح للجميع أنّ نتنياهو لن يتورع عن القيام بأي عمل من أجل البقاء في السلطة، ولمنع محاكمته وسجنه. الجميع يدرك هذا الأمر، لكنهم ينقادون وراءه كالقطيع الأمر الذي يثير الجدل بالفعل. هل اسرائيل في طريقها نحو نظام الرجل الواحد، نحو القضاء على الديمقراطية التي بدأت تنهار تدريجيًا من خلال ممارسات مستهجنة وغير مبررة. يبدو أن اسرائيل ستتحول إن لم تتحول بعد الى “جمهورية نتنياهو”، فكل الأمور تجري وتتحقق من أجل حمايته وحماية مصالحه الشخصية، فالدولة في خدمته وليس هو في خدمة الدولة.

والآن، بعد كل هذه التطورات الدرامية، كيف سيتصرف المجتمع العربي، هل سيضع كل ثقله في انتخابات الكنيست المقبلة من أجل وضع حد لتطاول وتحريض نتنياهو على كل ما هو عربي في البلاد. هل ستتوحد الأحزاب العربية في قائمة واحدة، بهدف خوض الانتخابات بكل قوّة، لحماية المواطن العربي من الأجواء العنصرية المتطرفة المعادية للعرب.

بغض النظر عن كل الأخطاء التي ارتكبها رؤساء الأحزاب العربية وسيرتكبونها مستقبلًا، بغض النظر عن الخلافات والانقسامات في المجتمع العربي، أمامنا فرصة تاريخية لا أعتقد أنها يمكن أن تتحقق مستقبلًا، أمامنا امكانية تغيير ميزان القوى السياسية الحالية. وهنا حتى نكون واقعيين، الحديث لا يجري عن قوى سياسية يسارية مثالية، ولا أحزاب تبحث عن تحقيق العدل والمساواة للمجتمع العربي، إنما الحديث عن إمكانية لوقف هذا الجنون العنصري المتطرف والتعاون مع القوى الاسرائيلية العقلانية، مع الفئة التي لم تفقد اتزانها بعد.

كما على قادة الأحزاب العربية أن يتعلموا من نتائج الانتخابات الماضية، أن يدرسوا الوضع جيّدًا، أن يدركوا سبب عدم مشاركة حوالي 50 % من العرب في انتخابات الكنيست الماضية. عليهم أن يضعوا خلافاتهم ونزاعاتهم جانبًا، فهدفنا واحد، وقضايانا واحدة، وعلى القادة أن يتوحدوا في قائمة واحدة ووحيدة في هذا الظرف بالذات. دعونا من النقاشات السفسطائية والفذلكات الكلامية والتنظير، مصلحة الجماهير العربية تفرض عليكم الوحدة، وعليكم أن تصغوا جيّدًا للشارع، وإن لم تتوحدوا في هذه الانتخابات، فمتى يمكن أن تتوحدوا؟!

OLYMPUS DIGITAL CAMERA

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *