الاستعداد لرمضان ( 2019 )

مراسل حيفا نت | 05/05/2019

الاستعداد لرمضان ( 2019 )

الشيخ رشاد أبو الهيجاء (إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي)

نعيش الأيام الأخيرة المباركة من شهر شعبان ونتطلع الى استقبال شهر رمضان الشهر الذي يعتق الله فيه رقاب المؤمنين من النيران. وهذا الاستعداد يحتاج منا الى صدق التوجه الى الله تعالى، والطلب بأن يبلغنا رمضان تماما كما كان السلف الصالح يفعل رحمهم الله. حيث كانوا إذا انقضى رمضان يدعون الله تعالى أن يتقبله منهم ستة أشهر، وبعدها يدعون الله أن يبلغهم رمضان حتى يهل هلاله، لأن رمضان موسم من مواسم التقرب الى الله تعالى، وموسم مغفرة للذنوب قال رسول الله (من صام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)، وإلحاحهم هذا لأنهم أدركوا حق الإدراك ما هي مكانة رمضان عند الله، لذلك يطلبون بلوغ رمضان بشوق وحنين استجابة لنداء الحق القائل (وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين). فجعلوا من رمضان ساحة للتنافس في طاعة الله بكل ما أوتوا من قوة (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)، فأهل الصلاح والتقوى يدركون أن رمضان فرصة تحل كل عام عليهم، للفوز بما فيها من بركات فلا يدعون أيامه تمر كما تمر باقي أيام السنة، وهم على استعداد تام للقاء الله كأحد أعمدة التقوى التي هي نتيجة الصيام لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). وقال الامام علي (التقوى هي: الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضى بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل). فحال أهل التقوى لا يغفلون ولو للحظة عن لحظة فراق الدنيا ولقاء الآخرة، فهم في يقظة واستعداد دائمين، وخوف من فراق الدنيا بقليل من العمل الصالح، لهذا يستغلون موسم رمضان بنية صالحة خالصة لوجه الله، فيبادر كل واحد منهم الى محاسبة نفسه على ما قدم في أشهر سبقت، فلا يدع هلال رمضان يهل عليه إلا إذا عزم عزما أكيدا على أن يتبرأ من ذنوبه استجابة لرسول الله القائل (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم). ومن أهم ما يجب المبادرة اليه عند محاسبة النفس تنقية القلب من أمراضه مثل الحسد، والحقد، والضغينة، والكبر وغيرها من أمراض القلوب، لأن القلوب محط نظر الله عز وجل، قال رسول الله (إن الله لا ينظر الى صوركم وأموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم). فإن كان قلب المرء سليما نقيا من اسقامه قبل منه عمله، أما إن كان القلب مريضا وقد اعتلاه الران من الذنوب وأمراض القلوب فلا بد من فساد العمل، ولهذا يجب العمل على تنقية القلوب والتوبة من كل الوان الذنوب، يجب التوبة من ظلم العباد، فإن عصيت الله بعينك ونظرت الى حرام فتب،  وإن عصيت الله واستمعت الى حرام من مغيبة أو نميمة أو كلام فاحش فتب، وتب بحفظ لسانك مما اقترف من قبل لأن حصاد الألسن لا يحبط العمل فقط، بل يزل بصاحبه سبعين خريف في النار، أو كما قال رسول الله لمعاذ بن جبل حين سأله: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار. قال: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه. تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت. ثم قال: ألا ادلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل. ثم تلا: تتجافى جنوبهم عن المضاجع، حتى بلغ يعلمون. ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله. فأخذ بلسانه، قال: كف عليك هذا. قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟  وقد حذر رسول الله من آفات اللسان وخاصة في رمضان فقال (من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه). ومن الأعمال الحسنة التي يجب أن تسبق رمضان صلة رحم، فلا يعقل أن يهل علينا رمضان وأحدنا قاطع لرحمه، قال رسول الله (خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم. فقال: مه؟ قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. فقال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب. قال: فذلك لك. ثم قال أبو هريرة (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم، وتكون الصلة على كل الأحوال). قال رسول الله (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي قطعت رحمه وصلها). ومن اعلى مراتب التقرب الى الله والاستعداد به لاستقبال رمضان، أن يكون المرء هادئ البال مخموم القلب وقد سئل رسول الله أي الناس أفضل؟ قال (كل مخموم القلب صدوق اللسان). قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال (هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *