الحياء شعبة من الإيمان بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 31/10/2025

قال رسول الله ﷺ:

«الإيمان بضعٌ وستّون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان».

ومعنى ذلك أن الحياء دافع إلى الفضائل، وهو داخل في الأعمال الصالحة؛ لأنه يبعث صاحبه على اجتناب القبيح ويمنعه من التقصير في أداء الحقوق لأصحابها.
فالحييّ هو من يجتهد ألّا يراه الله حيث نهاه، ولا يفتقده حيث أمره. بذلك يكون الحياء محرّكًا لأعمال البرّ والتقوى، وهو يوازي مرتبة الإحسان. فقد سُئل النبي ﷺ: ما الإحسان؟ فقال:

«أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».

والحييّ يجعل هذه القاعدة نصب عينيه في تعامله مع الله، ثم مع الناس. فتجده عابدًا خاشعًا متوسلًا بخالقه، حسن الخلق مع العباد.
أما إذا فُقد الحياء، عاش المرء عيشة البهائم — وهذا ما نراه في واقعنا اليوم للأسف.

أين ذهب الحياء؟

أسئلة كثيرة تُطرح أمام ما نعيشه من مظاهر العنف والفساد:
هل بقي شيء من الحياء عند شابٍ يعود إلى أمه ملفوفًا بالكفن بدل شهادته المدرسية؟
هل بقي حياء عند من تسوّل له نفسه قتل المعلّم؟
أو عند من يقتل الإمام وهو خارج من مسجده؟
أين الحياء عند من يجرّون شلال الدم في مجتمعنا؟

أسئلة مرّة، تعبّر عن أزمة أخلاقية عميقة نعيشها. وقد صدق رسول الله ﷺ إذ قال:

«إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت».

فإذا فُقد الحياء، فُقدت معه الرحمة والوقار وتقوى الله، وأصبح الإنسان مهيّئًا لفعل كل موبقةٍ ومعصية، لأنه تخلّى عن الخلق الذي يبعث على اجتناب القبائح وأداء الحقوق.

قيمة الحياء

قال أحد العلماء:

«الحياء من أفضل الأخلاق وأعظمها قدرًا وأكثرها نفعًا، بل هو خاصة الإنسانية. فمن لا حياء له، فليس من الإنسانية إلا اللحم والدم والصورة».

ولولا هذا الخلق، لما أُكرم الضيف، ولا وُفي بالوعد، ولا أُدّيت الأمانة، ولا قُضيت حاجة لأحد.
وقالوا قديمًا:

«من كساه الحياء ثوبه لم يرَ الناس عيبه».

لكن من المؤسف أننا أصبحنا لا نرى إلا العيب، واعتزل أهل الفضيلة الناس خوفًا على أنفسهم وحقوقهم، وما ذلك إلا لقلة الحياء، ومن ثم لقلة الإيمان عند البعض.
قال رسول الله ﷺ:

«الحياء لا يأتي إلا بخير».

فهو خير في الدنيا، وصاحبه من الفائزين في الآخرة.
وقال ﷺ أيضًا:

«الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار».

الحياء خلق العظماء

الحياء صفة ملازمة للعظماء، وكلّما علا قدر المرء زاد حياؤه. وأعظم من يتصف بالحياء هو الخالق جلّ في علاه، وقد قال النبي ﷺ:

«إن الله حييّ كريم، يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردّهما صفرا خائبتين».
وفي رواية النسائي:
«إن الله عز وجل حييّ ستّير يحبّ الحياء والستر».

ووُصف الرسول ﷺ بأنه:

«كان أشد حياءً من العذراء في خدرها».

الحياء الحقيقي

يظهر الحياء في ترك المنكرات والإقبال على الصالحات، كما قال النبي ﷺ:

«استحيوا من الله حقّ الحياء».
قالوا: يا رسول الله، إنا نستحيي من الله والحمد لله.
قال ﷺ:
«ليس ذلك، ولكن من استحيا من الله حقّ الحياء، فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبِلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حقّ الحياء».

فالمستحيي حق الحياء هو من يشغل رأسه بما فيه الخير له ولأمته، لا تمتد يده إلى حقوق الناس، ولا يغتر بزينة الدنيا، لأنها فانية زائلة. لا يؤذي أحدًا بسببها، ولا يجعل نفسه عرضةً لمغيبتهم وشتمهم بسوء خلقه.

وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه:

«لا خير فيمن لا يستحي من الناس».

فالعاقل من يصون نفسه بالحياء، فلا يتكلم إلا بأطيب الكلام، ولا يعمل إلا عملاً يرفعه عند خالقه درجات، ويجعله محمودًا بين العباد، فلا يتتبع عورات الناس، ولا ينشغل بما لا يعنيه، ولا يضرّ بمصالح الخلق حسدًا أو بغيًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *