يذهب العارفون بأسرار وخفايا الّلغة، بأنَّها كائن حيّ، وحركة دائمة، من مجموعة أصوات، تُكَوّنُ وِحْدَةً، تُعْرف بالخليّة اللغويّة، التي حين تترابط فيها الإشارات والأصوات تُشكّل وِحْدة ذات معنى…
ولأَنَّها تتدرج في حيّز الحركات التّعبيريّة، لذلك تجسَّدت في زمن ما قَبْلَ ظهورها، من خلال الإشارات والايماءات التي استخدمها الإنسان في حالات الانفعال ليقول ما يُريد!!!
لذلك، كان من الطّبيعيّ، أَنْ تُسَجِّلَ الأَبحاث، أَنَّ البانتوميم، كمحاكاةٍ صامتة تُعْتبر أوّل لغة بشريّة، لكون الحركة الجسديّة المحكومة بقانون الفكر التّأمّلي، هي تُقَلِّد وتُعيد خَلْق الأَشياء في آن…
هذا، وأنا لا أجافي الحقيقة، حين أُسارع وأقول:- أَنَّ مواصلة الإنسان بصورة دؤوبة لوصف وجوده، جَعَلَهُ يستثمر كلَّ ما يخترنه من قدرات وطاقة، كي يُلِمَّ إلْماماً شاملاً بمفردات واقِعِهِ، مُسْتعيناً بآليّة الإصغاء الدَّقيق لكلِّ ما يَصـِلَهُ من أصواتِ الكائنات الحَيَّة من حوله…
فكان من الطّبيعيّ أَنْ يعثر على ضالتِهِ، “الكلمة” التي لا تعيش خارجَه، لأَنَّها عالمهُ، وبها يُعَبِّر عن نفسِهِ كأنسان، ويُحيطُ يهذا العالم الذي يسكنُهُ، منزلاً كبيرا…
وهنا، حانَ أَنْ أُؤكّد، أنَّ الّلغة شرط وجود الإنسان، فهو خلق نَفْسَهُ عندما خلق الّلغة، الّتي مَنَحَتْهُ كينونَتَهُ، فجعلَتْهُ بذلكَ استعارة عن نفسِهِ…
وكيف لا؟! والّلغة استعارةٌ عن الواقع الرَّمز وعن جَوْهَرِهِ، وهي أَحد العناصر الذي يُجَسِّد عنصراً آخر…
بناء عليه، يُمكننا القول: بأَنَّ الإنسان كائن من كلمات، والإِحاطة به إحاطةً دقيقة شاملة، تكون بواسطتها…
وهكذا تخلص، إلى أَنَّ الكلمة هي الإنسان بذاتِهِ، رغم كونها تستعصي على التَّعريف!!!