أحبناه دون أن نراه بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

مراسل حيفا نت | 20/09/2024

 

 

هذا شعارنا الذي رفعناه نصرةً لنبينا، وكرّرناه كثيرًا في ذكرى مولده أو حتى في ذكرى وفاته. قال تعالى مخاطبًا إياه: (وللآخرة خير لك من الأولى). نعبر فيه عن حبنا لرسول الله كما كنا وسنبقى على العهد مع الأنبياء والرسل الكرام الذين أحببناهم لتبليغهم رسالة ربهم الذي اصطفاهم من بين خلقه.

ومنّا من لا يقل حبه لرسول الله عن حب الصحابي الجليل ثوبان، مولى الرسول، الذي كان شديد الحب له ولا يقدر على فراقه. فدخل عليه الرسول ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه، ويظهر في وجهه الحزن. فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: “ما غير لونك؟” قال: “يا رسول الله، ما بي ضر ولا وجع، غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك. ثم ذكرت الآخرة، وأخاف أن لا أراك هناك، لأني عرفت أنك ترفع مع النبيين، وإني إن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلك، وإن لم أدخل لا أراك أبدًا.” فأنزل الله قوله: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا).

ما أجمله من شعور وإحساس، وما أعظمها من بشرى تُزف لمن أراد أن يكون في صحبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في جنة عرضها السماوات والأرض. فما عليه إلا أن يكون لسان حاله كلسان حال النبي ومن تبعه بإحسان، يقول: (سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير).

وعندما نجتهد في حبنا لرسول الله، فإننا بذلك نطلب كمال الإيمان، لأن أركان الإيمان ستة: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره). فمن كمال الإيمان الإيمان بالأنبياء والرسل الكرام، وخاتمهم النبي محمد، ولا يكون إيمان برسالته دون الحب له.

وقد رسخ النبي هذا الحب في نفوس أتباعه حين قال: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين.” ولم يكتف الرسول بالقول بل حوله إلى منهج حياة، فعن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ورسول الله آخذ بيد عمر بن الخطاب. فقال عمر: “يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي.” فقال رسول الله: “لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك.” فقال عمر: “فإنه الآن، والله لأنت أحب إلي من نفسي.” فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الآن يا عمر.”

وكيف لا يكون الحب لله ولرسوله، والمحب يتذوق طعم حبه، قال رسول الله: “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار.”

وقد حث ربنا أهل الإيمان على أن يقدموا محبة رسول الله على كل شيء في حياتهم، قال تعالى: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين).

لماذا يجب أن نحبه؟ والجواب لأنه رسول الله وحبيب الحق، وهو محب للصالحين. قال تعالى: (قد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم). ومن حرصه ومحبته للمؤمنين اعتبر نفسه أولى بهم من أنفسهم، وقد عبر عن ذلك بقوله: “ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة.” اقرؤوا إن شئتم: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم).

ولسنا أول من يحب الرسول، فهذا الصحابي زيد بن الدثنة كان أسيرًا عند قريش، وخرجوا به ليقتلوه خارج الحرم، فقالوا له: “ننشدك الله يا زيد، أتحب أن محمدًا الآن مكانك نضرب عنقه، وأنت في أهلك وبين أولادك؟” فرد عليهم بصيحة مدوية عبر التاريخ: “والله ما أحب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن في مكانه الذي هو فيه وتصيبه شوكة تؤذيه.”

ويغفل البعض عن ضرورة محبة الرسول المتمثلة في الاقتداء، حتى يبادله الله تعالى بالحب، قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله). وطاعة الرسول مفتاح إلى الجنة، قال رسول الله: “كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى.” قالوا: “يا رسول الله، ومن يأبى؟” قال: “من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى.”

فرسول الله طاهر ومطهر بشرعه، طاهر زكي بذاته، مطهر لغيره بما يغرس في نفوس العباد من فضائل الخير. والمتمعن في آيات الله يجد أن كل شيء في رسول الله طاهر زكي، فقد زكى ربنا عقله فقال: (وما ضل صاحبكم وما غوى)، وزكى لسانه فقال: (وما ينطق عن الهوى)، وزكى شرعه فقال: (إن هو إلا وحي يوحى)، وزكى قلبه فقال: (ما كذب الفؤاد ما رأى)، وزكى بصره فقال: (ما زاغ البصر وما طغى)، وزكى أخلاقه فقال: (وإنك لعلى خلق عظيم)، وزكى رسالته فقال: (قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين).

والحديث يطيب في حب الحبيب، والمجال لا يتسع، لذا أقول لنفسي ولإخواني: جددوا العهد مع رسول الله في ذلك تعبرون عن حبه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *