صرخة استغاثة من تحت جبل الديون: كيف تحوّلت أزمة مديحة إلى فرصة للخلاص – الجزء الرابع من سلسلة “قصة مديحة” بقلم إلياس شوفاني

مراسل حيفا نت | 15/09/2024

صرخة استغاثة من تحت جبل الديون: كيف تحوّلت أزمة مديحة إلى فرصة للخلاص – الجزء الرابع من سلسلة “قصة مديحة”

بقلم إلياس شوفاني

“حيفا، يحقّ للغرباء أن يحبوكِ، وأن ينافسوني على ما فيك، وأن ينسوا بلادهم في نواحيك من فرط ما أنت حمامة تبني عُشَّها على أنف غزال“. لا بد من أن درويش كان جالسًا هنا في تل السمك في مثل هذه الساعة مثلي أنا الان حين كتب هذه الأبيات، هذا ما دار في ذهني بحدود الساعة السادسة مساءًا من يوم الثلاثاء الماضي، حين كنت انتظر حضور مديحة لموعدنا على شاطئ البحر، لنستمر في تخطيط مسارها للخروج من دائرة الديون نحو الراحة المادية.

إلياس مسا الخير، أسفه على التأخير، كيف حالك عزيزي؟ أدرت ظهري لأرى أن مديحة قد وصلت.

لم يطل الحديث في الأمور اليومية حتى عدنا إلى حيث توقفنا في تخطيط الإدارة المادّية.

الياس اريد مصارحتك، بحسب الخطة سوف ادفع كل شهر 1750 شيكل للقرض، وانت تريدني أن أستثمر 2500 شيكل كل شهر، بحيث لا يتبقى من معاشي إلا حوالي 3000 شيكل، وهذه الفكرة تسبّب لي الضغط والتوتر، ألا يمكنني أن أستثمر فقط 1500 في الشهر؟

 

مديحة عزيزتي، أي استثمار يجب أن يتلاءم مع التخطيط الشخصي لكل فرد، وبالطبع لا توجد خطة واحدة تناسب الجميع. عندما اقترحت عليك الاستثمار في البورصة أردت فقط أن أعطيك لمحة عن الإمكانيات المتاحة، ومع هذا فقد أخذت بالاعتبار معلومات أعرفها عنك مسبقا، مثل أنك تعيشين في منزل والديك، وأنك لا تدفعين لهم الإيجار، وأنهم والحمد لله ليسوا بحاجة لأن تكوني لهم سندًا ماديًا، وأذكر حديثنا قبل عام عن وعود اتفاقية عملك التي تنصّ على ترقية بعد عام، وعلى علاوة بقيمة 2000 شيكل في الشهر، مما سيرفع معشاك بعد الضرائب من 7000 إلى 8500 شيكل.

كل هذا مرّ في ذهنك يا الياس؟ ملتفته إليّ بعجب ونحن نسير في الممر الجميل، وراء التل، نحو الشاطئ الجنوبي. بالطبع يا مديحة كل هذا وأكثر، لكني سعيد بأنك فاتحتني في الموضوع، لأن الهدف في النهاية هو أن تكوني أنت من وراء مقود أسلوب إدارة أموالك، وليس أي مستشار، ولا أنا بالطبع. فالتثقيف المادي رحلة، وهذه فقط البداية حتى يأتي حين تصبحين مستقلّة في اتخاذ القرارات المادّية من بعد الدراسة العميقة. لكن منذ الآن،وقبل أن ندقّق بالحسابات مجددا، أريد أن أعلّمك واحدًامن أهم الدروس الاقتصادية، وهو ما يخصّ لهفتك في التعرّف على سيكولوجيا الاقتصاد: في النهاية قد ينهي دكتورٌ في الاقتصاد حياته فقيرًا أو في حالة إفلاس،ومن الناحية الثانية قد تتقاعد عاملة النظافة التي كانت تنظّف مكتبه وممرات وصفوف الجامعة التي كان يعلم بهابرخاء اقتصادي. قد تسألينني وكيف يعقل هذا؟الجواب بسيط يا مديحة: وهو الاطباع والأنماط السلوكية للشخص.

في النهاية ما يحتّم فصل المقال في النجاح الاقتصادي، هو وعي اقتصادي ومادي، إلى درجة أننانستطيع الاكتفاء به، ولا حاجة لأن يبلغ الشخص درجة العبقرية في علم إدارة الأموال والاقتصاد. ما يحتّم النجاح هو مدى البراعة في تطبيق أنماط سلوكية جيدة، والحفاظ على سلوك مادي سليم، من دون تهوّر أو مغامرات كثيرة غير محسوبة، ومن دون تبنّي غلط فكري بالشعور بالحصانة، أمام تقلّبات الأزمنةوالأحوال المادية والحتمية، في القدرة على النجاحات المتتالية في التجارة والاستثمار، ما هو مستحيل لكن هو ما يقع فيه الخبراء والجهلاء على حد سواه. إنها الأنماط السلوكية يا مديحة!

الياس أريد أن أفهم شيئًا واحدًا أأنت خبير ماديوإداري أم معالج نفسي؟

مديحة عزيزتي، عالم الأموال ليس فقط أرقامًا، نحن بشر، ولولا البشر لا يوجد اقتصاد، أقصد بالقول إنه على نقيض قانون الجاذبية الذي لا يحتاج لبشر، ولا يحتاج لنيوتون لكي يخلق، أو يكون موجودًا لأنه حالة طبيعية. قوانين الاقتصاد محتاجة لأدم سميث (من أهم علماء الاقتصاد) ومحتاجة لتصرفات البشر لكي تخلق،فبالتأكيد هي تصرفاتنا التي اخترعت هذا العلم، وليس كالفيزياء الموجودة حتميًا. لهذا يا عزيزتي تعتبر دراسة أساسيات علم النفس مهمّة، ولا تنسَي أني اجتزت إلى جانب دراستي في مجال الإدارة، علوم الصيدلة ما يسهّل فهم علم النفس ودوره في عالم الإدارة الذي أتمتع فيه بخبرة سنين طويلة. مع هذا يجب ألا تقعي في خطأشائع، وهو الاعتقاد أن الاقتصاد عبارة عن حالة نفسية لوضع إدارة الأموال، بالطبع لا، فالاقتصاد هو علم استعمال الموارد بأنجح طريقة للحصول على أعلى درجة منتوج. لكن إدارة الأموال لها علاقة مباشرة بالأطباع البشرية.

أما بالنسبة لك لنتفق على أن تحولي كل شهر مبلغ 1500 شيكل لحساب توفير بنكي يعطيك فائدة 4.5% سنويًامن دون أي مخاطرة، ويصبح حساب التوفير هذا بمثابة صندوق التخزين للطوارئ و1000 شيكل للاستثمار في صندوق الاستثمار المتداول ((ETF: Exchange Traded Fund.

أُف، ما كل هذه المصطلحات يا الياس؟! أشعر كل مرة بأني ابتدأت أن أفهم شيئا مجددا يبدو أني حمقاء لا أفقه بالموضوع.
مديحة أتسمحين لي بكشف سرّ لك؟

بفرحة تمزجها أمال الشماتة قفز قلب مديحة:

طبعا! سرك في بئر.
مديحة أنا أشعر بأني أحمق أقلّها مرّة في الأسبوع.

وانفجرت مديحة من الضحك في وجهي! وأخيرًا أظهرالمعلم صفات بشرية، قالت سرًا في قلبها…

ما أجمل هذه اللقطة: صيادون، غروب الشمس وقد وصلنا إلى أحد المقاهي للاستراحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليقات