الإسراء والمعراج
بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة -حيفا
ومأذون حيفا الشرعي
كلما هل علينا هلال رجب تهل معه ذكرى رحلة الإسراء والمعراج هذه الرحلة التي حيرت العقول قديما وما زالت تحير العقول حديثا وخاصة من ضعف عنده الإعتقاد بقدرة الله المطلقة القائمة على ( إذا اراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) فهذه الذكرى تصادف ليلة السابع والعشرين من شهر رجب الهجري وهذا الشهر من الأشهر الحرم . وبما أن صاحب الأمر هو الله فإننا نرى بحادثة الإسراء والمعراج معجزة تفضل بها ربنا على رسوله محمد وخلدت في كتابه العزيز بقوله تعالى في سورة الإسراء ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا أنه هو السميع البصير ) وفي سورة النجم ( والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالأفق الأعلى * ثم دنى فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى الى عبده ما أوحى * ما كذب الفؤاد ما رأى * افتمارونه على ما يرى * ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنهى * عندها جنة المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) وقد وصف الرسول رحلته من منطلقها الى مستقرها ومنتهاها فاستهل حديثه بما يلي ( أتيت بالبراق وهو دابة أبيض , فوق الحمار ودون البغل , يضع حافره عند منهى طرفه قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس , قال فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء , قال : ثم دخلت المسجد , فصليت ركعتين , ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء فيه خمر , وإناء فيه لبن , فاخترت اللبن , فقال جبريل : اخترت الفطرة ثم عرج بي الى السماء فاستفتح جبريل فقيل من أنت ؟ قال : جبريل , قيل ومن معك ؟ قال محمد , قيل : اوقد بعث اليه ؟ قال قد بعث اليه , ففتح لنا ) والحديث طويل وفي تفصيلات عديدة سنعرج على بعضها ولكن السؤال الذي يطرح بأي ظرف حصلت حادثة الإسراء والمعراج ؟ إن حادثة الإسراء والمعراج تعتبر منحة ربانية منحها ربنا لرسوله الذي عاش اصعب وأحلك ايام حياته بعد بعثته فقد سامته قريش اشد الوان العذاب فقتل من أصحابه من قتل وتشتت شمل الصحابة منهم من هاجر الى الحبشة وبعدها الى المدينة ومنهم من عذب ومنهم من سجن وغيرها من الوان العذاب المصحوب بالافتراءات والكذب على الرسول الكريم ومما زاد ذلك الأمر مرارة وفاة عمه ابا طالب الذي كان يحاول حمايته من قومه ووفاة زوجته خديجة التي كانت السند الأول الذي يسري هموم الرسول منذ اللحظة الأولى لبعثته حتى موتها فاشتد حزن على الرسول فسمي ذلك العام العاشر للبعثة بعام الحزن ولم يكن هذا وحده سبب حزن الرسول وألمه ولكن قريش التي ينتسب اليها أعلنت عليه وعلى اصحابه وعلى مناصريه من أهل مكة من غير المؤمنين برسالته حصارا اقتصاديا استمر لثلاث سنوات عجاف قاسيات حتى وصل الحال بهم الى أكل الشجر ونوى التمر وقد اخبرنا احد اصحابه وهو سعد بن أبي وقاص قصته وقت الحصار فقال ( خرجت ذات ليلة لأبول والجوع شديد إذ سمعت قعقعة تحت بولي فإذا بقطعة جلد بعير فإخذتها فغسلتها ثم أحرقتها ثم استففتها وشربت عليها الماء , فقويت عليه ثلاثة ايام , ) هل وقف الحد عند موت زوجته وعمه والحصار الإقتصادي لا والله بل تعداه الى الإعتداء الجسدي فبعد موت عمه تجرأ عليه عمه ابو لهب فكان يلاحقه ويسبه ويرميه بالحجارة واحدهم ينثر التراب في وجهه وآخر يلقى سلا جزور على ظهره فيذهب الى الطائف لعله يجد اذن صاغية لدعوته فيحرضوا عليه الأطفال والعبيد ويرموه بالحجارة حتى سال الدم من قدمه فيخرج من الطائف ويتوجه الى ربه بالدعاء ( اللهم اليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس , يا أرحم الراحمين , أنت رب المستضعفين وأنت ربي , إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ؟ أم الى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي , ولكن عاقبتك هي أوسع لي , أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك , أو يحل علي سخطك , لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة الابك ) استسلم الرسول لأمر ربه فحول الله تلك المحن الى منح فاراد ربنا أن يسري عن رسوله ما ألم به من هم فبعث جبريل ليصطحبه في رحلة ما سبقه اليه نبي من قبله ولا ملك مقرب لنعلم أن المحن والمصائب سيجعل الله في عقبها البشرى والسعادة والمسرة فلا يأس ولا غم مع قدرة الخالق القائل ( إن مع العسر يسرا ) وقد شاهد الرسول في رحلته مشاهد جليلة كلها تدعو الى ضرورة الثبات على الحق وعدم التنازل عن مبادئ الحق لأن ليس بعد الحق ال الضلال ومن يقرأ حديث الإسراء والمعراج يجد التقارب بين الأنبياء والرسل الكرام من لدن آدم الى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد الذي جمع الله له الرسل الكرام والأنبياء العظام ليكون امامهم في المسجد
3 / 3
الأقصى وهذا الموقف عبارة عن وثيقة تؤكد انتقال السيادة على المسجد الأقصل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الذكرى تأتي لنجدد العهد مع مسرى رسول الله