من اخلاق العرب الحميدة بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 08/12/2023

من اخلاق العرب الحميدة

كما هو معلوم أن الله خلق الناس على مشارب مختلفة فارتوت كل فئة منهم بمشارب خاصة شكلت لديهم عادات وتقاليد اختلفت وفق ارتوائهم  ولذا جعل العرب يتميزون بعادات وتقاليد يتطلع اليها الكثير منا في زمن الفتن ويتمنى لو أن بعضها ما زال قائما في حياة الناس لكان حالهم افضل وأحسن مما هم عليه ذلك لأن البعض تخلى عن المبادئ والقيم التي ترفع من مكانة الإنسان. علما أن الله خلق الخلق وجعلهم متفاوتين فيما بينهم ولكنه اراد لهم الانفتاح على بعضهم حتى تختلط الثقافات وتنحسر الميزات فيصبح الناس بنو آدم وأدم خلق من تراب فقال ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم ) وقد عبرت خديجة بنت خويلد عن احساسها نحو رسول الله حين نزل عليه الوحي اول مرة فقالت له : كلا أبشر , فوالله لا يخزيك الله ابدا , إنك تصل الرحم , وتصدق الحديث , وتحمل الكل , وتقوي الضعيف , وتعين على نوائب الحق ) جملة من العادات الكريمة امتاز بها رسول الله وهذه العادات الحسنة التي كانت مكان فخر واعتزاز عندهم , ولما اسلم ابو بكر وتآمرت قريش على الرسول ومن آمن معه وأراد أبو بكر الهجرة قال له ابن الدغنة : فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج , ولا يخرج مثله , إنك تكسب المعدوم , وتصل الرحم , وتحمل الكل , وتقوي الضعيف , وتعين على نوائب الحق , وأنا جار لك فارجع واعبد ربك ببلدك . فخديجة عرفت أن ما اعتاد فعله رسول الله من فضائل الأعمال التي يجب أن يكرم صاحبها وتبعها في ذلك ابن الدغنه فإنها من العادات التي كانت عليها فئة من الناس سببا في رقي أي مجتمع وفي أي زمان , وإذا اردنا الإمعان في نماذج من حسن هذه العادات التي تخلى عنها اكثر زعماء العرب وخاصة اجارة الملهوف او المكروب فلنطالع معا حلفا شارك به رسول الله وهو حلف الفضول  وسببه أن رجلا من بلاد اليمن باع للعاص بن وائل بضاعة ولم يدفع له ثمنها ومنعه حقه فطلب اليمني معونة اشراف قريش فلم يعينوه لأن العاص بن وائل من أشراف مكة فوقف عند الكعبة واستغاث بأل فهر وأهل المروءة فقام الزبير بن عبد المطلب فقال : ما لهذا من مترك فاجتمعت بعض القبائل له وصنع لهم طعاما وتحالفوا وتعاقدوا ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يرد له حقه , ثم مشوا الى العاص بن وائل فانتزعوا منه سلعة اليمني , فدفعوها اليه , وأبرموا حلف الفضول وعندها   أنشد الزبير بن عبد المطلب أبياتا من الشعر قال فيها :                          

إن الفضول تعاقدوا وتحالفوا       ألا يقيم ببطن مكة ظالم          

أمر عليه تعاقدوا وتواثقوا     فالجار والمعتر فيهم سالم            

وقد انظم رسول الله الى هذا الحلف وإن كان في الجاهلية الا أهدافه سامية فقال ( قد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم  ولو أدعى به في الاسلام لأجبت ) ومن عجيب ما يروى أن أبا جهل اشترى من رجل من أراش ابل فماطله في دفع ثمنها فاستعان بقريش فلم تعنه ولكنهم همزوا على رسول الله لعلمهم أن ابا جهل اشد اعداء رسول الله وقالوا : اذهب اليه هو يعينك , فتوجه الى الرسول فقام معه الرسول فضرب على ابي جهل الباب فقال : من هذا قال محمد فاخرج , فخرج  وما في وجهه قطرة دم , وقد امتقع لونه فقال: اعط هذا الرجل حقه , قال : لا يبرح حتى اعطيه الذي له , قال فدخل وخرج اليه بحقه فدفعه اليه ثم انصرف وفي رواية انه لما سئل ابو جهل عن السبب قال رأيت خلفه فحل , هذا اقرار من الرسول على أن كل عمل يرفع الظلم والتعدي على الناس يجب المشاركة فيه كأحد اسس بناء مجتمع فاضل , وهذا لا يعني قبول عادات الجاهلية لأن فيها ما ينقص من حقوق العباد وينشر الظلم ومن ذلك الانتصار الى القبلية الجاهلية بالانتصار الى القبيلة ولو كانت او كان احد افرادها مفتريا وقد عبر عن هذا التغيير المفهوم الجديد الذي طرحة رسول الله من خلال توجيهه لأصحابه فقد قال ( أنصر أخاك ظالما أو مظلوما , قالوا يا رسول الله : ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما ؟ قال تردعه عن الظلم فذلك نصرك اياه ‘ فهذا الطرح الجديد يدعم ضرورة العدل مصداقا لقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا . إعدلوا هو أقرب للتقوى , واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) وقد عمل الرسول على ترسيخ المفاهيم الصحيحة التي تحفظ كرامة الإنسان وعمل على تعزيزها وحارب كل امر الجاهلية مبينا ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وقد شرح العلماء هذا الحديث فقالوا : أن الأنبياء دعو الى فضائل الأعمال وجاء الرسول محمد ليتتم ما دعت اليه الرسل الكرام باعتبار هذه القيم يجب أن تكون من الثوابت في حياة الناس استجابة لنداء الحق ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها , وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا ) وهذا التوجه في طلب العدل ورفع الظلم عن الضعفاء والمظلومين أمر ضروري في كل زمان ومكان وقد عرف ذلك القريب والبعيد لذا تعاقدت الدول فشكلوا مؤسسات مثل هيئة الأمم وغيرها ولكنهم لم يرتقوا بالشكل المطلوب فبقيت المحسوبيات وبقي حب الهيمنة والسيطرة اساس لقاء هذه المؤسسات العالمية لذا غاب عنهم العدل ولم يصلوا الى مرحلة نصرة المظلوم وهذا الحال سيبقي البشرية تإن لغياب ما تستحقه من تكريم والله يقول ( ولقد كرمنا بني آدم )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *