الظلم من الكبائر بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 17/11/2023

الظلم من الكبائر

الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة -حيفا
ومأذون حيفا الشرعي

الاسبوع الماضي تكلمت عن العدل والرحمة وقلت بأن هاذان المطلبان عز وجودهما في عالمنا الا عند القلة القلية من اصحاب الضمائر الحية وهذا يعني أن بدل العدل والرحمة حل الظلم والطغيان , ولا يغفل عاقل أن الظلم نتائجة وخيمة على الظالم وإن كان بظلمه يذيق المظلومين الويلات الا أن في النهاية الظالم هو الذي سيتجرع نتائج ظلمه وقد جاء في الحديث القدسي ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي , وجعلته بينكم محرما ) لأن الظلم من الكبائر المنهي عنها , لأنه منكر عند الله القائل ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) ومن اجل رفع الظلم عن الخلق وارساء العدل والرحمة بين العباد بعث الله الرسل الكرام قال تعالى (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز ) وقد يشعر الظالم بنشوة حين ينزل ظلمه على الآخرين لمكسب دنيوي تحقق له ولكنه يغفل أن الله العادل لا بد أن يقتص من الظالم ولو بعد حين وهذا ما أكده وهو يقص اخبار الأمم السابقة فقال ( افلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ) وفي ذلك اشارة واضحة على أن الله يعجل للظالم العقوبة في الدنيا قبل الآخرة لذا قص علينا من أنباء الأمم السابقة فقال (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين ) وقال ( فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد ) وقال ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) ولكن ما يجب الانتباه اليه هو أن العقوبة في الدنيا لا تصيب فقط الظالم ولكنها تتعدى الى من كان قادرا على منع الظالم من ظلمه لأن الظلم من المنكرات والنبي قال ( من رأى منكم منكر فليغيره بيده , ومن لم يستطع فبلسانه , ومن لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان ) فإن فقدت ذرة الإيمان من القلوب حلت العقوبة على الجميع قال ربنا (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب ) وقال رسول الله ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه ) أما خزي الظالمين يوم القيامة سيكون اكبر من العقوبة في الدنيا حيث يستحق هؤلاء لعنة الله لذا يصور القرآن مشهدهم ( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ) ويبعدهم الله عن رحمته ليذوقوا عذاب الخزي في الآخرة لذا يقول لهم ( فبعدا للقوم الظالمين ) وينادى فيهم امام الخلائق ( فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين ) ثم يأتيهم ما يستحقون قال تعالى ( فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم ) وقال ( فويل للذين ظلموا من مشهد يوم عظيم ) فمن اراد النجاة يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون لا بد أن يكف عن الظلم ويرد المظالم الى اهلها وهذا معني فيه الكبير والصغير والحاكم والمحكوم قال رسول الله ( من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم , إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته , وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه )وقد فهم سفيان الثوري ما لهج به لسانه بقول ( إن لقيت الله تعالى بسبعين ذنبا فيما بينك وبين الله تعالى أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد ) وهذا ليس تشجيعا لمعصية الله ولكن تبيانا لأن ظلم العباد والاعتداء عليهم بأنفسهم أو اموالهم او أعراضهم من الكبائر التي توجب التوبة والرجوع عنها قال تعالى ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ) ولا ينبغي للظالم أن يغفل عن امر الله فإن الله لا يضيع عنده حق لذا يستدرج الظالم حتى يقع في قدر الله قال تعالى ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) وقال رسول الله ( إن الله ليملي للظالم حتى اذا أخذه لن يفلته ) وقرأ ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) وقد يسأل سائل عن انواع الظلم فنقول : انواعه كثيرة تبدأ بسفك دمه والاعتداء على عرضه الى أن ينتزع منه شيئا يسيرا مثل اكل اموال العمال وأكل حق البنات في الميراث والتعدي على حقوق الناس والمغيبة والنميمة من الظلم وسوء معاملة الزوج لزوجته وسوء معاملة الزوجة لزوجها وعدم التربية السليمة والغش في البيع والشراء ونحو ذلك , يروى أن وزيرا ظلم امرأة بأخذ مزرعتها وبيتها , فشكته الى القاضي فأوصاها مستهترا وقال لها عليك بالدعاء في الثلث الأخير من الليل فأخذت تدعو عليه شهرا فابتلاه بمن قطع يده وأهانه فمرت عليه وهو يجلد فشكرته وأنشدت تقول : إذا خان الأمير وكاتباه     وقاضي الأرض داهن في القضاء        

فويل ثم ويل ثم ويل     لقاضي الأرض من قاضي السماء          

وإن كان الوداد لذي وداد      يزحزحه عن الحق الجلاء          

فلا أبقاه رب العرش يوما        كحله بميل من عماء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *