يا رسول الله , إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير , فهل بعد هذا الخير من شر ؟ فقال : نعم . قلت : وهل بعد هذا الشر من خير ؟ قال : نعم , وفيه دخن ؟ قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يهدون بغير هديي , تعرف منهم وتنكر . قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ وقفة مع حديث بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 03/11/2023

وقفة مع حديث

سأتناول مع حضراتكم حديث من أحاديث رسول الله الذي أورده الإمام البخاري في صحيحه وذلك لنقف على بعض معانيه التي يمكن أن تنفعنا في ظل الفتن المظلمة التي سادت الأرض في مشارقها ومغاربها قال الصحابي حذيفة بن اليمان ) كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير , وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني, فقلت : يا رسول الله , إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير , فهل بعد هذا الخير من شر ؟ فقال : نعم . قلت : وهل بعد هذا الشر من خير ؟ قال : نعم , وفيه دخن ؟ قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يهدون بغير هديي , تعرف منهم وتنكر . قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : دعاة إلى أبواب جهنم , من أجابهم إليها قذفوه فيها . قلت : يا رسول الله , صفهم لنا . قال : هم من جلدتنا , ويتكلمون بألسنتنا . قلت : يا رسول الله , فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم . قلت : فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام , قال : فاعتزل تلك الفرق كلها , ولو أن تعض بأصل شجرة , حتى يدرك الموت وأنت على ذلك )  وهذا الحوار بين الصحابي حذيفة بن اليمان ورسول الله يدل على نباهة هذا الصحابي الذي يسمع السؤال من إخوانه عن الخير ويشاركهم بما يسمع ولكنه كان يقظا ومتنبها أن الخير قد يواجه بالشر ذلك لأن الصراع بين الخير والشر قائم منذ بداية الخلق إلى نهاية الدنيا لذا كان يسأل عن الشر مخافة أن يقع في حباله وبذلك يجمع بين بيان الخير والشر وهذا اسلم طريق للنجاة , وأول سؤال طرحه وهو : كنا أهل جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير , فهل بعد هذا الخير من شر ؟ وللإجابة على هذا السؤال لا بد من معرفة الجاهلية والشر الذي كانوا عليه ولمعرفة هذا الأمر فلنستمع إلى بيان الصحابي جعفر بن أبي طالب حين وقف إمام ملك الحبشة ( النجاشي ) ليبين فحوى رسالة النبي الجديد فقال : ( أيها الملك , كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام , ونأكل الميتة ونقطع الأرحام , ونسي الجوار , ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله لنا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه , فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده , ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث , وأداء الأمانة وصلة الرحم , وحسن الجوار , والكف عن المحارم , والدماء , ونهانا عن الفواحش . وقول الزور , وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة , وأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا وأمرنا بالصلاة والزكاة الصيام ) فهذا الخير الذي حل بهم كان حذيفة يخاف من أن يزول ويعودوا الى الوراء فسمع من الرسول إجابة تؤكد أن هذه الأمة لا بد أن تتقلب ما بين والخير والشر حتى قال عن مرحلة من الخير يعتريها عدم الوضوح في الإتباع لأن القائمين على هذا الأمر يعلنون إتباعهم للنبي ولكنهم لا يعملون بهديه قال عنهم الرسول ( قوم يهدون بغير هديي , تعرف منهم وتنكر )  ومع ذلك هذه مرحلة أفضل بكثير من التي تليها حيث أن من يتحكم بأمر هذه الأمة في ذلك الزمان وقد يكون زماننا , وصفهم الرسول ( دعاة إلى أبواب جهنم ,من أجابهم إليها قذفوه فيها ) وهؤلاء ليسوا بغرباء عن الأمة ولكنهم منها ( هم من جلدتنا , ويتكلمون بألسنتنا )  وفي إجابة الرسول استعارة تمثيلية بليغة فقد شبه هؤلاء بهيئة ملائكة العذاب الواقفين على أبواب النار ينادون أهلها ليقذفوهم فيها  فهؤلاء يجب الحذر منهم ولو كانون ينتسبون إلى ملة الإسلام ويتكلمون لغة العرب إلا انهم اصحاب فتنة وضلالة همهم إعادة الناس إلى الجاهلية الأولى التي تذل الخلق وتحط من قدرهم ومكانتهم بين الشعوب وتنشر الفساد والتحلل الخلقي وارتكاب الفواحش وتضييع حدود الله  وهذا الحال عند المؤمنين تقشعر منه الأبدان وتنفر منه النفوس الطيبة ومن الملاحظ أن السائل خاف على نفسه كما يجب ان يخاف كل مؤمن وإن كان مدركا أن هذا الحال الذي حذر منه الرسول لن يصله شرره لذا سأله : هل بعد ذلك الخير من شر ؟  وإذا كان قد أدرك هذه الحقيقة فلما يسأله عن شيء لن يعيشه ؟ ولما يسأل عن طريق النجاة ؟ والجواب : ليحذر من يأتي من بعدهم ويدلهم عن سبيل النجاة , وهو أن يلزم جماعة المسلمين لأنه لن يكون للمسلمين إمام وهذا السؤال الذي ختم به حذيفة حواره مع الرسول حين قال (فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال ( فاعتزل تلك الفرق كلها , ولو أن تعض بأصل شجرة , حتى يدرك الموت وأنت على ذلك ) أي على الخير الذي جاء به النبي والذي وضحه جعفر بن أبي طالب لملك الحبشة ولا يكون اعتزال الناس إلا بحال فساد الذمم والدعوة الى الضلال لأن في الأصل مخالطة الناس والتعاون على الخير فقد قال رسول الله ( عليكم بالجماعة , وإياكم والفرقة ) وقال ( يد الله مع الجماعة )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *