التعصب للعائلة بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 15/09/2023

التعصب للعائلة

بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة -حيفا
ومأذون حيفا الشرعي

   عند الحديث عن العائلة لا أعني بذلك شطر منها كلأولاد والزوجة  والأحفاد وما علا , ولكنني أعني بذلك كل طبقات الأنساب من الأعلى الى الأدنى , فالتعصب للعائلة بالشكل الايجابي مطلب وضرورة انسانية لا تخفى على احد وخاصة ممن يعتنون بالأنساب , لأن انتساب المرء الى مجموعة عصبية ما قد يكون لها نفع كبير مثال ذلك احينا يحتاج أحد المرضى الى زمرة دم نادر وعينات من الجينات والتي غالبا لا تكون الا في العائلة, وقد يكون المطلب في احد افراد العائلة البعيدة ولذا يستعينون باهل الاختصاص بالأنساب ليحصلوا على العلاج المنقذ للحياة , وحتى لا تضيع الأنساب ويختلط الحابل بالنابل ويتم زواج المحارم , وغيرها من الأمور , وهذا العلم امتازت به العرب, واشتهرت به حتى قبل الاسلام وقد عبر عن ذلك شهاب الدين النويري سنة 721 هجري  في كتاب نهاية الارب فقال ( ومعرفة أنساب العرب مما افتخر به العرب على العجم , لأنها احترزت على معرفة نسبها وتمسكت بمتين حسبها , وعرفت جماهير قومها وشعبها , واتحدت برهطها وفصائلها وعشائرها ومالت الى افخاذها وبطونها ونفت المدعى فيها ) وقد افتخر الرسول بنسبه لا من باب الاستعلاء والكبر ولكن من باب معرفة نسبه واصله فقال ( إن الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل , واصطفى قريشا من كنانة , واصطفى هاشما من قريش واصطفاني من بني هاشم ) ولما خير رسول الله زيد بن الحارثة بين اما ان يبقى معه او يلحق بوالده فاختار زيد البقاء مع رسول الله فنسبه الرسول اليه فسماه زيد بن محمد حتى نزل قوله تعالى ( ادعوهم لآبائهم , هو اقسط عند الله , فإن لم تفعلوا فاخوانكم بالدين ومواليكم )) واعتبر من الجاهلية الطعن بالأنساب فقال ( أربع في أمتي من أمر الجاهلية , لا يتركونهن , الفخر بالأحساب , والطعن بالأنساب , والاستسقاء بالنجوم , والنياحة ) فلا عيب في ان ينتسب المرء الى عائلته واهله ولكن العيب أن يتعصب لعائلته ولو كانت على ضلالة فهذا التعصب اعتبره الرسول قذارة منتنة ريحها لأنها تزرع الأحقاد بين العباد ويكون انتساب المرء الى قبيلته ولو على حساب دماء الآخرين لذا ففي عهد رسول الله كسع غلام من المهاجرين غلاما من الأنصار في غزاة بني المصطلق , واستغاث الأول فقال : يا للمهاجرين , ونادى الأخر : يا للأنصار , سمع بذلك رسول الله فقال ( ما بال دعوى الجاهلية ) فحكوا له ما جرى فقال ( دعوها فإنها منتنة ) لأنها تحث على الظلم والفساد فالمحب لأهله وأقاربه يكره مشاهدة مناظر الظلم والتعدي فيهم فيستجيب لنداء رسول الله ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما , فقال رجل : يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما , أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره ؟ قال ( تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره ) لا كما نشاهد ونسمع في مجتمعنا العربي تجتمع كلمة العائلة لنصرة افراد منها وإن كانوا من القتلة او الظلمة  وهذا ما لا يرضاه ربنا ولا رسله الكرام ولا أي انسان عاقل ومؤمن , لذا ربنا وجه نداء مباشر للمؤمنين أينما كانوا ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير ) فلا أنساب ولا عائلة ولا قبيلة ولا عشيرة تنفع إذا كان هؤلاء لا يراعون حرمات الله لذا لما افتخر بعضهم بأنسابهم قال قائل  : أبي الاسلام لا إب لي سواه     إذا افتخروا بقيس أو تميم      

دعي القوم ينصر مدعيه    فيلحقه بذي النسب الصميم

وما كرم ولو شرفت جدود     ولكن التقي هو الكريم

   فالعصبية الجاهلية التي تدعو الى التعصب الأعمى للعائلة انتخلخلت في مجتمع فرقت شمله وافسدته وابعدته عن فضائل الأعمال واضعفت قوته أمام عدوه ونزغات الشيطان , هذه هي رسالته الحقيقية والتي ينجح فيها من خلال العصبية الجاهلية ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء ) وليس افضل حال للبغضاء والأحقاد من أن تجتمع كلمة مجموعة من الناس على الفساد اوالإفساد في الأرض والله يقول ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ) فدعوى الجاهلية هذه منبوذة مذمومه يجب التخلي عنها وقد ذمها ربنا فقال ( إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ) وقد جاء على لسان رسول الله كما عند الترمذي  ( إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية , وفخرها بالآباء , إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي , الناس بنو آدم , وآدم خلق من تراب , ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى )وعند البزار قال رسول الله ( كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب , ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان )  وفي صحيح مسلم قال رسول الله ( من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبية , أو يدعوا لعصبية , أو ينصر عصبية فقتل فقتلة جاهلية ) فمن استقام على أمر الله وعرف حقوق العباد ولم يتفاخر بفضل عائلته ونسبه على الآخرين فاز وافلح . فإبن نوح لم تنفعه نبوة ابيه ( ونادى نوح ربه فقال رب إن إبني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين * قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح )وامرأة فرعون لما استجابت لربها اصبحت ترى مقعدها في الجنة بعد أن دعت ربها ( رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *