أمسيّة احتفاء بالشّاعر الكبير سميح القاسم وسيرته الذّاتيّة في حيفا

مراسل حيفا نت | 17/11/2011

 

تقرير: مطانس فرح – رئيس تحرير صحيفة "حيفا"

غصّت قاعة مسرح "الميدان"، مساء الاثنين من هذا الأسبوع، بالمئات في أمسيّة ثقافيّة – فنّيّة، احتفاءً بشاعرنا الكبير سميح القاسم، وبصدور أحدث أعماله، كتاب سيرته الذاتيّة الّذي يحمل عُنوان "إنّها مجرّد مِنفَضَة"، بدعوة من مركَز "مساواة"، ودار "راية" للنشر الّتي عملت على إصدار سيرة الشاعر العربيّ الكبير.

وقد حضر الأمسيّة عدد كبير من الأدباء والشعراء والكتّاب والإعلاميّين والصِّحافيّين والمثقّفين وأصدقاء سميح القاسم ومحبّيه. وتولّت عرافة الأمسيّة الإعلاميّة المتميّزة إيمان القاسم (ابنة شقيق سميح القاسم).
افتتح الأمسيّة الفنّان الحيفاويّ علاء عزّام بأنشودة "إلى اللّه أرفع عينيّ.. أرفع قلبي وكفّيّ"، من قصيدة "أنا متأسّف" للشاعر المحتفى به، سميح القاسم.

متنبّي فِلَسطين وسيّد الأبجديّة

"مدينة حيفا تتلألأ هذه الليلة، سماؤها ترتّل ترتيلة وطن، شوارعها تغتسل بمياه الصمود، احتفاءً بشاعر العروبة والإنسانيّة، متنبّي فِلَسطين وسيّد الأبجديّة. إنّه صاحب القلم الثائر، والكلمة المناضلة الّتي تأبى الخنوع. إنّه الاسم المرادف للشموخ والكرامة والعزّة والإباء، إنّه الاسم المرادف للبقاء هنا.. هنا.. هنا.. أستاذنا وشاعرنا وعالَمُنا، الشاعر سميح القاسم" – بهذه الكلمات المعبّرة استهلّت الإعلاميّة إيمان القاسم عرافة الأمسيّة مرحّبة بالشاعر سميح القاسم وبالحضور.

وأضافت: "في هذه الأمسيّة يلتقي الشاعر سميح القاسم محبّيه ومتابعي مسيرته؛ في هذه الأمسيّة الأدبيّة – الفنّيّة؛ في الموقع الّذي انطلق منه شاعرًا ومناضلًا ورمزًا حيًّا من رموز الثقافة الفِلَسطينيّة والعربيّة المعاصرة. نلتقي هنا في مسرح "الميدان" بترحيب دار "راية" للنشر ومركَز "مساواة".

أهلًا بكم أيّها الحضور الكريم، مع حفظ الأسماء والألقاب. أرى أمامي وجوهًا جميلة، من شعراء وكتّاب، أرى صِحافيّين ومثقّفين وأدباء وضيوفًا من كلّ أطياف هذا الشعب الجميل، من كلّ حَدَب وصوب. يجمعنا اليوم شيء واحد، حبّنا لسميح.. وأقولها سميح لأنّ لكلّ واحد منّا سميحه. ذاك الّذي كبر معه، ذاك الّذي رضع شعره، ذاك الّذي كبر على كلماته فكانت دستورًا له، ذاك الّذي أحبّه، ذاك الّذي عشقه، ذاك الّذي درسه، وذاك الّذي حلّله. اليوم جئنا كلّنا لنقول: نحن نحبّك، نعم.. نحن نحبّك".

سيرة فريدة لحياة فريدة

أمّا بشير شلش، فقال في كلمة دار "راية" للنشر: "الحضور الكرام، السيّدات والسّادة، أصدقاء ورفاق ومحبّي سميح القاسم، مساؤكم خير وشعر. قريبًا من هذا المكان، من وادي النسناس، هنا في حيفا، في حيفا الستينيّات صدح صوت شاعرنا الكبير الّذي نحتفي به اليوم – شخصًا ونصًّا – وصل أقاصي الأرض حاملًا فرح الناس وأملهم وألمهم، ناذرًا نفسه في صورة لا انفصام لها للحرّيّة وللحياة وللشعر.

نقف بإعجاب وفخر أمام سيرة فريدة لحياة فريدة، آمن صاحبها بأنّ النضال والكتابة، وكلّ نشاطات الحياة الأخرى، هي أدوات للحرّيّة القصوى، الّتي كانت نجمة بوصلته ولا تزال. في حضرة شاعر بحجم وتفرّد سميح القاسم، لا يُمكن للكلمات أن تكون عادلةً ولا عاديّةً. جميعنا هنا لنكون في حضرة الشاعر الّذي نحبّ، وفي حضوره".
فقد أرادها المنظّمون والحاضرون، فعلًا، أمسيّة حبّ وتقدير لشاعر يسكن فينا، ويسكن قلوبنا جميعًا.

 

وقدّم الفنّان علاء عزّام فِقْرة فنّيّة برفقة الفنّان يوسف حبيش (إيقاع)، بدأها بأغنية "يا (زمن) زمنًا ضاعت فيه الإنسانيّة وضيّعنا منّا الإنسان"، وبعدها أغنية "جود بالموجود وما تفكّر تسود.. السيادة لربّك وافهم شو مقصود"، واختتم وصلته الفنّيّة بأغنية "يوم الانتخابات خذ ضميرك هات.. مش مفهومة القضيّة ولا معروفة اللّخّات". وتلاه الفنّان يوسف حبيش بوصلة إيقاعيّة فنّيّة مميّزة، مهداة للشاعر سميح القاسم.

اسمك كبير جدًا.. فألف شكر لك

وأكملت القاسم عرافتها للأمسيّة، مؤكّدةً: "بفضل كلماتك – أستاذ سميح القاسم – أصبح العالم العربيّ يعرف أكثر مَن نحن، أصبح يقدّر وطنيّتنا، أصبح يعرف الخلفيّة الّتي نأتي منها، وما نمرّ به من معاناة يوميّة؛ أصبح هذا العالم العربيّ يتقبّلنا في كلّ مكان، وخصوصًا في الدول العربيّة؛ فاسمك كبير جدًّا – أستاذ سميح – في تلك الدول.. فألف شكر لك".

ثمّ قدّمت الفنّانة الملتزمة المبدعة ريم تلحمي، وصلتها الفنّيّة، برفقة الفنّان درويش درويش (كمان)، الفنّان إلياس حبيب (إيقاع)، والملحّن الفنّان حبيب شحادة حنّا على العود. حيث بدأتها بأغنية "واحد فقير الحال" (كلمات: محمّد بكري، ألحان وتوزيع: حبيب شحادة حنّا)، ثمّ "أغنية حبّ فِلَسطينيّة" (كتبها لها – خصوصًا – الشاعر سميح القاسم في بداية التسعينيّات)، واختتمت وصلتها الفنّيّة بأغنية "حَنّيني يمّا حَنّيني.. واضويلي شمعة وجلّيني" (من التراث الفِلَسطينيّ).

«إنّها مجرّد مِنفَضَة» – سيرة فِلَسطين

وفي الفِقْرة الأخيرة من عرافة الأمسيّة، قالت إيمان القاسم، تعريفًا بكتاب السيرة الذاتيّة: ""إنّها مجرّد مِنفَضَة" – هو العُنوان الّذي اختاره الشاعر لمسيرة حياته الشعريّة والنضاليّة، وقد كتبها على مدى السنوات الأخيرة من خلال لعبة جرد حساب مع الحياة والشعر والصداقات والأمكنة، فاتحًا هوّةً إلى عالمه الخاصّ جدًّا، الشعريّ والشخصيّ، عِبر مراحله، ساردًا مراحل مختارة من حياته بحلوها ومرّها، بأحلامها الجميلة وأوهامها، أيضًا… وإن كان البعض يعتقد أنّ هذه هي سيرة الشاعر سميح القاسم، فقط… أقول: لا يا أعزّائي؛ إنّها سيرة شعب، إنّها سيرة فِلَسطين".

وبكلّ فخر دعت الأستاذ الشاعر الكبير سميح القاسم إلى المِنصّة، وقد رحّب – بدوره – بالحضور، قائلًا: «أيّها الأحبّاء والأخوة والأخوات الأعزاء، لا حاجة للنكد..! هذا اللقاء العائليّ الأخويّ، أفضل من العلاج الكيماويّ!». ثمّ ألقى بأسلوبه المميّز، وقراءته الشعريّة الرنّانة قصيدتين من قصائده، لاقتا استحسان الحضور.

وكانت خاتمة الأمسيّة أغنية "منتصب القامة أمشي" (من كلمات الشاعر سميح القاسم وألحان الفنّان الكبير مارسيل خليفة)، الّتي أدّاها الفنّانون المشاركون في الأمسيّة.. وبعدها وقّع شاعرنا الكبير، سميح القاسم، سيرته الذاتيّة "إنّها مجرّد مِنفَضَة".

حياتي فضاء
وما من حدود وروحي يمامة
وعمري جناحان لا يذكران الرحيل
ولا ينسيان الإقامة

ويوم تغادر روحي فضائي لشيء يسمّونه الموت
آمل ألّا تفارق وجهي ابتسامة
كم أتمنّى حفنة رمل من صحراء الربع الخالي
ينسوها فوق ترابي طفل من بلدي

يغادرني أصدقائي القدامى بلا موعدٍ للوداع
وتندسّ قطّة حزني الوديعة تحت لحافي
وتلعق قلبي برعب ولا تستكين وتهدأ إن لم تحطها ذراعي
الأمازيز والكرد والأرمن الهاربون من الموت

والشركس اللائذون بنخلتنا إخوة في الخصوبة
فافتحي حزنهم واحضني حلمهم يا عروبة
إنّهم إخوةٌ.. إخوةٌ.. إخوة.

 

المستشفى
سميح القاسم

في زمني الآخر. خارجَ ساعات اللونجينز وساعاتِ الأوميچا.
خارجَ ساعات الأيدي وجيوبِ شيوخِ الماضي. والحيطانْ
خارجَ رقَّاصاتِ الوقْتِ العائِم. بين الشكِّ وبين الإيمانْ
في زمني الآخر،

أعشقُ رائحةَ المشمشِ. والنعناعِ البرّيِّ على غُدرانكَ،
يا جاري. يا وادي سَلاّمَةْ
أعشقُ أنداءَ العشبِ الباقي للذّكرى
في أرضِ الحسرةِ والنِّسيانْ

أعشقُ رائحةَ الكعكِ الطّالعِ للتوّ مِنَ الأفرانْ
في بيتِ المقدسِ
أعشقُ حُلمَ العودَةِ يا بيسانْ

أعشقُ طَعْمَ التفّاحِ العربيِّ السوريِّ الطّاهِرِ، مِن رِجْسِ الغزو والاستيطانْ
بينَ قيودِكَ يا شيخي يا جبلَ الشيخِ  ويا جولانْ
أعشَقُ عَسَلَ البطّيخِ البَطّوفيِّ،

بريئًا ونظيفًا مِن شرِّ الأسمدةِ الكيماويّةْ
أعشَقُ عشقي. وقصائدَ شُعراءِ الحرّيّةْ
أعشَقُ غَطرسَةَ العطرِ الغامضِ،

في مِشْيَةِ سائحةٍ غامضةِ الطلَّةِ. جِنِّيّةْ
وتواضعَ شَفَةٍ شهوتُها،
تستنجدُ رَجُلَ الإطفائيّةْ
وأُحبُّ التبغَ الفسّوطيَّ المعلاويّ
وأُحبُّ الهاوِنَ والوَرَقَ الأصليّ

محروسًا ببراءَتنا من آفاتِ التّصنيعِ الأمريكيّةْ
ومكائدِ أسواقِ الشيطان
ويُعيدُ الرّوحَ إليّ
زيتُ الزّيتونِ الراماويّ

والعنبُ البيتجَنِّيّ
وأُحبُّ. أُحبُّ البُنَّ العَدَنيّ
(لعنَ اللّهُ القاتَ القاتِلْ
ونظامَ الحُكمِ السّافِلْ
في قُطري اليمنيّ!)

وأُحبِّذُ كأسَ العَرَقِ الزَّحلاويّ
(في إعلانٍ تلفزيونيّ
عن حفلٍ بيروتيٍّ ساهِرْ)

وأُحبُّ عصيرَ اللّيمونِ المصريّ
(في نكهةِ عبد الناصِرْ)
ويُكفكفُ دمعةَ عيني
ما يكتُبُهُ شُعراءُ بلادي الشبّانْ

ويطيبُ يطيبُ الخاطِرْ
بصبايا الإنترنتِّ ودعواتِ العِصيانْ
وأُحبُّ أغاني الحبِّ.. ومارشاتِ المحرومين الثوريّةْ
وأحبُّ النّسغَ الطّازجَ،
في أجسادِ الكلماتِ وفي أبعادِ الأشياءْ

وأُحبُّ الزّوجةَ والأبناءْ
من أقصى الأَلِفِ.. إلى أقصى الياءْ
وأحبُّ ربيعَ الثورةِ في كُلِّ فصولكَ،
يا وطني الناهضَ في شعبي الناهضِ،

في وجهِ الطغيانْ
وأُحبُّ الأفلامَ التّسجيليّةْ
ورواياتِ صديقاتي. نجماتِ اللّغةِ العربيّةْ
وأحبُّ. أحبُّ الثّورَةَ ساطعةً في بلدي تونسَ،
من نارِ الغَضَبِ البوعزيزي،

مُلهمةً ساحةَ رابينَ وشارِعَ وول ستريت
وميادينَ المدنِ الصّينيّةْ
والأريافَ الهنديّةْ
وخبايا الوجعِ الصّاعِدِ مِن روحِ الكُرةِ الأرضيّةْ
وأُحبُّ أغاني أهلي البسطاء

والآهاتِ العفويّةْ
ومواويلَ حلاقةِ عُرسانِ الزفَّةِ وصبايا الحنَّاءْ
وأُحبُّ أداجيو ألبينوني وروائِعَ بتهوڤن
والڤالسات النمساويّةْ
وأغاني الغَجَرِ الهنغاريّةْ
وأُحبُّ الدبكة وفنونَ الكَونِ الشعبيّةْ

وأُجيدُ – وداعًا يا أيّامَ شبابي –
كَم كُنتُ أُجيدُ الرّقصاتِ الصالونيّةْ
وأُحبُّ أُحبُّ أُحبُّ الزّوجَة والأبناء
في نعمةِ جُدرانِ البيت وجدران العالمِ
(جَنِّبْنا يا ربَّ النِّعمَةِ جُدرانَ السِّجنِ وجدرانَ المستشفى!)

وأنا أحترمُ الطبَّ. أنا أحترمُ الطبَّ،
وأشكُرُ كلَّ أطبّاءِ العالم
وطواقمَ طبِّ العالم
وصيادلةَ العالم
والطبَّ العربيَّ.

وأعشابَ الطبِّ وإبَرَ الطبِّ الصينيّ
والمستشفى الميدانيّ
وبودّي أنْ أشكُرَ كُلّ صناديقِ المرضى
وبودّي أنْ أشكُرَ سيّاراتِ الإسعافِ
(تُقزّزُني صَفَّارتُها!)

وبودّي أنْ أشكُرَ.. لكنّي قَلِقٌ
قَلِقٌ مِن ظِلِّ السكّينِ على جَسَدِ التفّاحَةْ
وبكُلِّ صراحَةْ
فأنا أمقُتُ كُلَّ مواعيدِ الفحصِ وآلامَ الفحصِ، وأمقُتُ رائحةَ الأدويةِ،
وأمقُتُ رائحةَ المستشفى!
لا تنحوا باللّومِ عليَّ لأنّي أمقُتُ أمقُتُ،
أمقُتُ.. رائحةَ المستشفى!!

(المستشفى – 15.10.2011)

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *