أين الكتاب في حياتنا اليومية؟

مراسل حيفا نت | 15/11/2011

 

ايمان محاميد
تصوير: وائل عوض

استضاف المجلس الملّي الأرثوذكسي الوطنيّ في حيفا، يوم الثلاثاء – في الفاتح من تشرين الثّاني/نوڤمبر (2011/11/1)، أمسيّة تحت عنوان «أين الكتاب في حياتنا اليوم؟»، حضرها لفيف من الشخصيّات الدينيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والقياديّة. أدار الندوة المحامي كميل مويس الّذي شكر بدوره الحضور على مشاركتهم في الأمسيّة.

ورحّب د. دياب مطلق بالحضور منوّهًا إلى أهميّة الأمسيّة، لكونها تجمع «نجمَين» – الأديب والشاعر حنّا أبو حنّا، ود. شكري عرّاف. وأشار إلى أنّ الإقبال على المطالعة وقراءة الكتب في تراجع، جرّاء دخول ومنافسة وسائل الاتّصال المختلفة، كالـ«إنترنت» والفضائيّات.. ونوّه إلى أنّ وسائل الاتّصال الحديثة وُجدت في الغرب منذ فترات، ولم تؤثر على الإقبال على شراء الكتب، بل على العكس.

حيث يتّضح أن المواطن الألمانيّ، مثلًا، يقرأ في المتوسّط 48 كتابًا سنويًا مقارنةً مع المصريّ الّذي يقرأ نصف كتاب في الفترة ذاتها! وذكر د. دياب، أيضًا، أنّه من أهمّ أسباب هذا التراجع يتبلور في عمليّة إنتاج الكتاب وتقديمه، فضلًا عن سعره الذي يعيق انتشاره.

وقال كميل مويس: على الرّغم من التقدّم التقنيّ الّذي عمّ العالم، وأدّى إلى تراجع واضح في أنصار الكتاب لحساب الأجهزة الإلكترونيّة – التكنولوجيّة، إلّا أنّني لا أزال أرى – كما يرى الكثيرون – أنّ الكتاب منبعٌ ثقافيّ ومنهلٌ نقيّ وخِلٌّ وفيّ، رغم تقلب العصور.
أبو حنّا: «على الطفل أن يعيش مع الكتاب»

وقد شكر الأديب والشاعر حنا أبو حنّا بدايةً الحضور، وكلّ مَن ساهم على إقامة هذه الأمسيّة، وقال: وقال: «الحديث عن الكتاب والقراءة أمر يحتاج إلى علاج المشرف على هذه الندوة، د. دياب مطلق، ليس في مجال القلب الجسديّ، بل العاطفيّ.

الموضوع  معروف للجميع، ولكن كيف يمكننا أن «نعالجه»؟! تتحدّثون عن الإعلام الحديث.. في دولة كإسرائيل، والتي يبلغ عدد سكّانها ما يقارب الستة ملايين نسمة ونصف المليون، تُباع فيها الكتب بمئات آلاف النسخ!! ويمكن للكاتب اليهوديّ أن يعيش بكرامة من أنتاجه الأدبيّ؛ بينما في عالمنا العربيّ – وفي أفضل الحالات – بالكاد تصل مبيعات كتب نجيب محفوظ (حائز جائزة نوبل)، مثلًا، أو الشاعر الفِلَسطينيّ الكبير محمود درويش إلى عشرات الآلاف! على الرّغم من أنّ أسعار الكتب في إسرائيل باهظة الثمن، وليست زهيدة كما في الدول العربيّة».

وأضاف أبو حنّا: «جيل اليوم يختلف كثيرًا.. أذكر عندما كنت طالبًا، وأنا في الصّف الثاني، كانت لدينا حصّة مطالعة أسبوعيّة، وكان من واجبنا أن نقرأ على الأقلّ ستة كتب في اللغة العربيّة، وستة كتب إضافيّة في اللغة الإنچليزيّة خلال السّنة التعليميّة، إضافية إلى المنهاج والوظائف البيتيّة. كنّا نعيش مع الكتاب. كانت لدينا ثروة لغويّة جرّاء المطالعة. كنّا – كطلّاب – نعقد ندوة ثقافيّة في كلّ شهر، نديرها في اللّغة الفصحى.. كانت هناك حياة ثقافيّة».

وذكّر الأديب والشاعر أبو حنّا الحاضرين عندما كان يدرّس الأدب العالميّ خلال حصص المطالعة في الكلّيّة الأرثوذكسيّة، والتي نفتقدها في أيّامنا. كما أشار أبو حنّا – وبألم – إلى شحّ الإقبال على دراسة اللّغة العربيّة، فالمتقّدمون لامتحانات الـ«بچروت» باللّغة العربية بمستوى خمس وحدات  تعلّميّة قلائل، مقارنةً بالمواضيع العلميّة.
وعن اللّغة العربيّة الفصحى، قال: «لغتنا العربيّة التي نحكيها ونتعامل بها ليست لغة فصحى؛ لذا دأبت بترسيخ اللّغة الفصحى ليعيشها الطالب، لا أن يقرأها فقط!».

وأضاف: «ألحظ أنّ «قاموس» طلاّبنا في اللّغة العربية شحيح وركيك، ومع أنّه لا توجد تقريبًا حصصًا للمطالعة، لا تدأب مدارسنا، أيضًا، بالاهتمام بموضوع الإنشاء وكتابته، لتساعد الطّلاب على التمرّن والتعامل مع هذه اللغّة. علينا تحفيز الطّلّاب على المطالعة وكتابة الإنشاء والتعامل مع اللّغّة الفصحى وممارستها».

وشدّد أبو حنّا على أهميّة أن يعيش الطفل في سنّ مبكّر مع الكتاب، أن يتناول الكتاب، أن يستمع إلى قصّة جيّدة باللّغة الفصحى، ومن ثمّ يعود للصور. وأشار إلى أنّ رؤية الطفل للكتاب وملامسته، كجزء من حياته،  لهو أمر هامّ جدًا، فهذا يؤدّي إلى ربط علاقة وثيقة بين الطفل والكتاب، وقد «تتطوّر» هذه العلاقة مستقبلًا.
وعن ثقافة الكتاب، قال أبو حنّا: «إنّ ثقافة القراءة والكتاب في الغرب تختلف كلّيًا عن ثقافتنا. فالأوروپيّون يحملون كتابًا ويقرأون في كلّ مكان، في الباص، في القطار، في الحدائق العامّة، وغيرها.. بينما نحن بالكاد نقرأ!».

واختتم حديثه قائلًا: «من أجل الحفاظ على لغتنا، علينا إقامة ندوات هادفة تُعنى باللّغة العربيّة الفصحى؛ فعدد كبير من طلّابنا يتحدّث ويناقش بالعاميّة خلال درس اللّغة العربيّة.. نحن لا نبني مملكة لغويّة، فنحن نطالب بثورة الربيع العربيّ من أجل إنقاذ اللّغّة العربيّة، على أمل أن تساهم في زيادة الوعي والقراءة والمطالعة وإعلاء شأن اللّغة العربيّة».

عرّاف: «أنا فخور لأنّي أحمل الكتاب وأبيعه»
أمّا دكتور شكري عرّاف، وبعد أن رحّب بدوره بالحضور، قال: «إسمحوا لي أن أكون وقحًا، نوعًا ما. إنّني أحترمكم وأقدّركم، لكنّ أولاد وأحفادي هم بحاجة لمثل هذه اللقاءات والأمسيات، لا أنتم!.. نحن نلهث وراء من يموّل الأبحاث، ونلهث وراءكم كي تقرأوا هذه الأبحاث! هناك مشكلة في تسويق الكتاب.. أنا أجول بين المدارس حاملًا الكتب ومسوّقًا لها، حتّى أنّه في أحد مدارس حيفا أطلقوا عليّ لقب بائع الكتب المتجوّل!! أنا فخور لأنّي أحمل الكتاب وأبيعه».

وأضاف: «كتب المكتبات، وكتب مكتبة المدرسة أيضًا، يعتليها الغبار، للأسف الشديد. المدير هو المسؤول باعتقادي، عليه أن يعلّم على دخول المكتبة. نحن بحاجة ماسّة إلى أن نعلّم أولادنا على ارتياد المكتبات المدرسيّة وغيرها».
واختتم قائلًا: «غالبيّنا يتحدّث العبريّة، وفي مدارس عدّة يدرّسون بعض المواضيع بالعبريّة (كالرياضيّات مثلًا)! فهل عجزت اللّغة العربيّة على تأدية واجبها؟! ان تؤدي واجبها.. أعطوا من وقتكم لأبنائكم.. أعطوا أبنائكم كتبًا ليقرأوا.. أخطاء اللغة العربيّة الفصحى تحيطنا من كلّ مكان، في التلفاز وفي المذياع وفي الصحف! يكفي!».
وفي نهاية الأمسيّة الشيّقة فُتح باب النقاش والأسئلة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *