"لأنّكم بالنعمة مُخلَّصون، بالإيمان، وذلك ليس منكم. هو عطيّة اللّه. ليس من أعمال كَيلا يفتخر أحد. لأنّنا نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمالٍ صالحة، قد سبق اللّه فأعدّها لكي نسلك فيها" (أفسس 8:2 و9).
هاتان الآيتان تتضمّنان كنزًا من التعاليم المختصّة بالخلاص، فهما تتحدّثان عن: النعمة، والخلاص، والإيمان، وبُطلان مجهود الإنسان وأعماله الصالحة، للحصول على الخلاص، والمكان الصحيح للأعمال الصّالحة.
أوّل ما نقرأه في الآية الأولى الكلمات: "بالنّعمة أنتم مُخلَّصون"، ويردّد الكثيرون كلمة «النّعمة» دون فهمهم لمعناها..
النّعمة
المعنى الصحيح لكلمة "النعمة" هو: "إحسان إلى إنسان لا يستحقّ الإحسان".
ليس بين البشر من يستحقّ إحسان اللّه "لأنّه لا فرق. إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد اللّه" (رومية 22:3 و23)، بمعنى أنّ الجميع أخطأوا وأعوزهم الوصول إلى المقياس الّذي يمجّد اللّه.. ولهذا احتاج الناس إلى نعمة اللّه، إلى إحسان اللّه على الّذين لا يستحقّون الإحسان؛ وكلّنا لا نستحق هذا الإحسان.
هذا يأتي بنا إلى كلمة "مُخلَّصون".. فما هو معنى الخلاص؟
الخلاص
الخلاص يعني: النجاة من غضب اللّه على الخُطاة.. وما أرهب غضب اللّه.. "مُخيف هو الوقوع في يَدَي اللّه الحيّ" (عبرانيين 31:10). ويعني نوال الغفران الكامل، فالخطيّة ثقل على الضمير، ومحاولة إخفائها تصيب الإنسان بعدم الاتّزان أمام ثقل الخطيّة. صرخ داود النبيّ قائلاً: "لأنّ آثامي قد طمت فوق رأسي. كحمل ثقيل أثقل ممّا أحتمل" (مزمور 4:38). وعندما ينال الإنسان الخلاص يتيقّن تمامًا من نواله الغفران "لتعطي شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم" (لوقا 77:1).
ويعني الميلاد الثّاني، "ولكن حين ظهر لطف مخلّصنا اللّه وإحسانه – لا بأعمال في برّ عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته – خلَّصنا بغُسل الميلاد الثّاني وتجديد الروح القدس" (تيطس 4:3 و5). ويعني الإنقاذ من سلطان الشيطان، "شاكرين الآب الذي أهَّلنا لشركة ميراث القديسين في النور. الّذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته" (كولوسي 12:1 و13). ويعني تغيير أجساد المؤمنين التُرابيّة لتكون على صورة جسد المسيح، "فإنّ سيرتنا نحن هي في السّموات، الّتي منها، أيضًا، ننتظر مخلّصًا هو الرّب يسوع المسيح، الذي سيغيِّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده، بحسب عمل استطاعته أن يُخضع لنفسه كلّ شيء" (فيلبي 20:3 و21).
نصل الآن إلى كلمة "بالإيمان"، فما معنى الإيمان؟
الإيمان
الإيمان هو "الثّقة".. هو "التصديق".. هو "الاتّكال الكامل".. ويحصل الإنسان على الخلاص «بالإيمان» وحده، أي بثقته فيما عمل المسيح لأجله عندما مات على الصليب، وبتصديقه لشهادة الآب عن المسيح. "وهذه هي الشهادة: أنّ اللّه أعطانا حياةً أبديّة، وهذه الحياة هي في ابنه. مَن له الابن فله الحياة، ومَن ليس له ابن اللّه فليست له الحياة" (1 يوحنا 11:5 و12)، وباتّكاله الكامل على المسيح وفاعليّة دمه الكريم في تطهيره من خطاياه.
والآن وصلنا إلى الكلمات الّتي تجرح كبرياء الإنسان، وتظهره في عجزه الكامل عن خلاص نفسه بأعماله الصالحة.
تقول هذه الكلمات: "بالنّعمة أنتم مخلَّصون، بالإيمان، وذلك ليس منكم.. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد".
الخلاص "ليس منكم.. ليس من أعمال كَيْلا يفتخر أحد".
هذا هو كلام اللّه.. الإنسان عاجز تمامًا عن أن يخلّص نفسه.. وأعماله الصالحة لن تخلّصه.
لماذا؟ لأنّ أعمال الإنسان الصالحة هي إهانة بالغة لقداسة اللّه.. كأنّنا نقول للّه: لقد أخطأنا، وتعدّينا وصاياك، وأثِمنا، لكنّنا نسدّد لك أجرة خطايانا بأعمالنا الصّالحة.
اللّه القدّوس لا يقبل الرشوة!! وقد قال بكلمات صريحة: "لأنّ أجرة الخطيّة هي موت" (رومية 23:6)، وقال كذلك: "وقد صرنا كلّنا كنَجِس، وكثوب عدّة كلّ أعمال برنا" (إشعياء 6:64). أُرفُضْ تماماً تعليم الخلاص بالأعمال الصالحة.. فقد قال اللّه كلمته: «ليس منكم.. ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد».
أين هو المكان الصحيح للأعمال الصّالحة؟ وما هذه الأعمال الصالحة؟
الأعمال الصالحة
الجواب: "لأننا نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة، قد سبق اللّه فأعدَّها لكي نسلك فيها".
الأعمال الصالحة ليست هي الصوم، أو الصلاة، أو المواظبة على حضور اجتماعات الكنيسة، أو الإحسان للفقراء، أو دفع العشور، أو إتمام الفرائض التقليديّة.
الأعمال الصالحة هي أعمال خاصّة، سبق اللّه وأعدّها لكلّ واحد يؤمن بالربّ يسوع المسيح، والإصحاح الحادي عشر من الرسالة إلى العبرانيين يرينا صورة من هذه الأعمال الصّالحة الّتي أعدَّها اللّه لكلّ مؤمن ليسلك فيها؛ وتختلف هذه الأعمال الّتي أعدَّها اللّه في حياة كلّ مؤمن.. بمعنى أنّ العمل الصالح الذي أعدّه الله لك لتسلك فيه، ليس هو العمل الصّالح الّذي أعدّه لغيرك من المؤمنين؛ وسأكتفي هنا بإعطاء بعض الأمثلة:
كان العمل الصّالح الّذي أعدَّه اللّه لهابيل هو أن يقدّم ذبيحة أفضل من قايين "بالإيمان قدَّم هابيل للّه ذبيحة أفضل من قايين، فبه شُهد له أنّه بار، إذ شهد اللّه لقرابينه. وبه، وإن مات، يتكلّم بعد" (عبرانيين 4:11)!
كان العمل الصّالح الّذي أعدّه اللّه لإبراهيم عملاً مزدوجاً.. ظهر أولاً في طاعته لدعوة اللّه، "بالإيمان إبراهيم لما دُعي أطاع أن يخرج إلى المكان الّذي كان عتيداً أن يأخذه ميراثاً، فخرج وهو لا يعلم إلى أين يأتي" (عبرانيين 8:11)، وظهر ثانيًا في تقديمه إسحق ابنه ذبيحة، "بالإيمان قدَّم إبراهيم إسحق وهو مجرّب، قدّم الّذي قَبِل المواعيد، وحيده الّذي قيل له: إنّه بإسحق يُدعى لك نسل. إذ حسب أنّ اللّه قادر على الإقامة من الأموات" (عبرانيين 17:11-19).
كان العمل الصّالح الّذي أعدّه اللّه لسارة أن تأخذ قدرة وهي في سن التسعين على إنشاء نسل، "بالإيمان سارة نفسها أيضًا أخذت قدرة على إنشاء نسل، وبعد وقت السن ولدت، إذ حسبت الّذي وعد صادقًا" (عبرانيين 11:11).
كان العمل الصّالح الّذي أعدّه اللّه لموسى أن يرفض أن يكون ابن ابنة فرعون.. وأن يصنع الفصح في مصر ليحمي أبكار إسرائيل من الهلاك، "بالإيمان موسى لما كبر، أبى أن يُدعى ابن ابنة فرعون، مفضِّلاً بالأحرى أن يُذلّ مع شعب اللّه على أن يكون له تمتّع وقتي بالخطيّة، حاسبًا عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر، لأنّه كان ينظر إلى المجازاة.. بالإيمان صنع الفصح ورشّ الدم لئلا يمسّهم الذي أهلك الأبكار" (عبرانيين 24:11-28).
كان العمل الصالح الذي أعدّه اللّه لراحاب الزانية هو أن تقبل جواسيس إسرائيل وتنقذهم من الموت، "بالإيمان راحاب الزانية لم تهلك مع العصاة، إذ قبلت الجاسوسين بسلام" (عبرانيين 31:11).
قائمة الأعمال الصّالحة تزداد، أعمال أعدّها اللّه لچدعون، وباراق، وشمشون، ويفتاح، وداود، وصموئيل، والأنبياء، "الّذين بالإيمان قهروا ممالك، صنعوا برًّا، نالوا مواعيد، سدّوا أفواه أسود، أطفأوا قوة النار، نجوا من حدِّ السيف، تقوّوا من ضعف، صاروا أشدّاء في الحرب، هزموا جيوش غرباء، أخذت نساء أمواتهن بقيامة. وآخرون عُذِّبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل.
وآخرون تجرَّبوا في هزء وجلد، ثم في قيود أيضًا وحبس. رُجموا، نُشروا، جُرِّبوا، ماتوا قتلاً بالسّيف، طافوا في جلود غنم وجلود معزى، معتازين مكروبين مُذَلّين، وهم لم يكن العالم مستحقاً لهم. تائهين في براري وجبال ومغاير وشقوق الأرض" (عبرانيين 38:11-33). هذا هو المكان الصحيح للأعمال الصّالحة.
فاغسل ذهنك من الثّقة في أعمالك الصّالحة لنوال الخلاص، واطلب من الربّ بإخلاص أن يريك العمل الصّالح الفريد الّذي أعدّه لك، واسلك في هذا العمل الصالح، لا لتضيف أيّ برّ إلى عمل المسيح الكامل الّذي أجراه على الصليب، بل لتسلك في العمل الصّالح الّذي أعدّه اللّه لك، لتنال بإتمامه مكافأتك عندما تقف أمام كرسيّ المسيح.