تؤكّد القراءة الواعية والمعمّقة لسفر وجود الإنسان على هذه الأرض المعطاء، أن خلوّ حياته من القيمة، يشلّ دافعه الخلاّق للحياة، ويعيق إندفاعه إلى الأمام، ويصيب دلالات حضوره الفاعل في الوجود بالجدب والنضوب، حتّى مشاعر العزّة والكرامة تحسّ داخلة بغربة كبيرة، فتهجره قبل أن تصلها عدوى الشلل!!
واقع كئيب تهيمن فيه الشروط المدمّرة؛ لماذا؟! لأنّها، وبكلّ بساطة تقتلع وتمحو أحلام الصعود الدائم في سلم العلى، وتجهض لهفة الإنسان وشوقه إلى التجريب وتطلّعه إلى الاكتشاف، وتغيَّب من دنياه الكثير الكثير من معاني الجمال!! ولكنّ الأخطر من ذلك هو غياب العقل في مثل هذا الوجود الهجين، حيث يفرض عليه أن يغدو مغتربًا منبوذًا ومحكومًا عليه بالنفي!!
ونحن أخواتي، أخوتي حينما نظهر ألوان هذا الواقع الرماديّة القاتمة، نقوم بذلك وقد وضعنا إصبعنا على فوّهة الجرح النازف الذي أصبح «من نصيب» الكثيرين، الكثيرين منّا – ألسنا نعيش زمن شحّ النَّماء والثراء ومعاناة الأرواح والنفوس من الجدب و«البطون» من الخواء؟! وتعالوا لا نحرق الوقت في البحث عن الأسباب، لأنّها معروفة للجميع – بل نُمسك بسرّ الحل، وهو ليس ببعيد بعيد، لكونه بمتناول يد كلّ واحد منّا.
صدّقوا أنّه يتلخّص بكلمتين، كما قال الدكتور الناقد جابر عصفور؛ الإحتفاء بالقيمة الّذي يعني الإحتفاء بالحياة في أرقى أشكال تقدّمها الصاعد في سلّم الحضارة إلى ما لا نهاية!! وهو يعني الإحتفاء بالإنسان بوصفه الحضور الحرّ الفاعل في الوجود!! حضور بشكل بالنسبة له القضاء الإبداعيّ الّذي لا يكفّ عن صنع العالم الأجمل، المنفتح الآفاق!! كما يتيح له إنتاج الآليّات الخلّاقة الّتي يتحدى بواسطتها ويواجه كل أشكال القمع والظلم، فتكسب حياته خصوبًا تجعلها تغدو رائعة وأرقى!!
فصباح الخير لكلّ مَن استيقظ في هذا الصباح الجديد، مفتوح الشهيّة على الإحتفاء بالقيمة، قيمة نابضة معافاة، تخترن رغبة التطور، وقدرة الخلق والإبتكار وحبّ كل ما هو جميل، ليجسّد في شخصيّته المعنى الحقيقيّ لوجودة، ويجعل الحيّاة تزداد بالقيمة حياةً.